الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5625 باب البر والصلة، وقول الله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في ذكر البر والصلة، والبر الإحسان، ومنه البر في حق الوالدين، وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل- ضد العقوق، وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم، يقال: بر يبر فهو بار، وجمعه بررة، وجمع البر أبرار، والصلة هي صلة الأرحام، وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن بعدوا وأساؤوا، وقطع الرحم قطع ذلك كله، يقال: وصل رحمه يصلها وصلا وصلة، وأصل الصلة: وصل، فحذفت الواو تبعا لفعله وعوضت عنها الهاء، فكأنه بالإحسان إليهم قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر، وقوله: باب البر.. إلخ، هكذا وقع لأكثر الرواة وحذف بعضهم لفظ البر والصلة، واقتصر النسفي على قوله: " كتاب البر والصلة.." إلى آخره، قوله: " وقول الله" بالجر عطفا على ما قبله من المجرور بالإضافة، هذه الآية وقعت بهذا اللفظ في العنكبوت وفي الأحقاف، أما التي في العنكبوت فهي قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم الآية، وأما التي في الأحقاف؛ فهي قوله تعالى: ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها الآية، وفي لقمان أيضا: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن الآية.

                                                                                                                                                                                  والمراد هنا الآية التي في العنكبوت، وسبب نزول هذه الآية ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أنه قال: نزلت، يعني الآية المذكورة في خاصة؛ كنت رجلا بارا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الذي أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب ولا يعلني سقف حتى أموت فتعير في فيقال: يا قاتل أمه! فقلت: لا تفعلي يا أماه، فإني لا أترك ديني هذا، فمكثت يوما وليلة لا تأكل، فلما أصبحت جهدت ومكثت يوما آخر وليلة كذلك، فلما رأيت ذلك منها قلت: تعلمين والله يا أماه، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا؛ فكلي إن شئت، أو لا تأكلي. فلما رأت ذلك أكلت، فنزلت هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف، وأمره صلى الله تعالى عليه وسلم أن يرضيها ويحسن إليها ولا يطيعها في الشرك، قلت: اسم أم سعد المذكورة: حمنة، بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بعدها نون، بنت سفيان بن أمية، وهي ابنة عم أبي سفيان بن حرب بن أمية، ولم يعلم إسلامها، واقتضت الآية الكريمة الوصية بالوالدين، والأمر بطاعتهما ولو كانا كافرين إلا إذا أمرا بالشرك؛ فتجب معصيتهما في ذلك. قوله: " حسنا" نصب بنزع الخافض؛ أي: بحسن، وقرئ: إحسانا، على تقدير: أن تحسن إحسانا، وحسنا أعم في البر.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية