الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 188 ] وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو : { أن رجلا من قومه يقال له أبو شعيب صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ائتني أنت وخمسة معك ، قال : فبعث إليه : أن ائذن لي في السادس } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            3675 - ( وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . : { إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها } متفق عليه . ورواه أبو داود وقال فيه : " بالمنديل " ) .

                                                                                                                                            3676 - ( وعن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة ، وقال : إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة } رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            3677 - ( وعن نبيشة الخير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أكل في قصعة ، ثم لحسها استغفرت له القصعة } رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ) .

                                                                                                                                            3678 - ( وعن جابر { أنه سئل عن الوضوء مما مسته النار ، فقال لا ، لقد كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلا ، فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ } . رواه البخاري وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            3679 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه } رواه الخمسة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث نبيشة الخير رواه الترمذي من طريق نصر بن علي الجهضمي ، قال : أخبرنا أبو اليمان المعلى بن راشد قال : حدثتني جدتي أم عاصم وكانت أم ولد لسنان بن سلمة ، قالت : { دخل علينا نبيشة الخير ونحن نأكل في قصعة ، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة } قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد ، وقد روى يزيد بن هارون وغير واحد من الأئمة عن المعلى بن راشد هذا الحديث ا هـ .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح . وأخرجه الترمذي معلقا ، وأخرجه الضياء من حديث سعيد [ ص: 189 ] المقبري عن أبي هريرة وقال غريب . وأخرجه أيضا من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال : حسن غريب لا نعرفه من حديث الأعمش إلا من هذا الوجه قوله : ( فبعث إليه أن ائذن لي في السادس ) فيه أن المدعو إذا تبعه رجل من غير استدعاء ينبغي له أن لا يأذن له ولا ينهاه ، وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ليأذن له أو يمنعه ، وأن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريا بهم لشهرته بالفسوق ونحو ذلك ، فإن خيف من حضوره شيء من هذا لم يأذن له ، وينبغي أن يتلطف في رده ولو بإعطائه شيئا من الطعام إن كان يليق به ليكون ردا جميلا ، كذا قال النووي قوله : ( فلا يمسح يده ) يحتمل أن يكون أطلق اليد على الأصابع الثلاث لما تقدم في حديث أنس بلفظ " لعق أصابعه الثلاث " وفي مسلم من حديث كعب بن مالك بلفظ { يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها } ويحتمل أن يطلق على جميع أصابع اليد . لأن الغالب اتصال شيء من آثار الطعام بجميعها ، ويحتمل أن يكون المراد باليد الكف كلها .

                                                                                                                                            قال الحافظ : وهو الأولى فيشمل الحكم من أكل بكفه بكلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها . وقال ابن العربي في شرح الترمذي : يدل على الأكل بالكف كلها { أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعرق العظم وينهش اللحم } ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها ، قيل : وفيه نظر لأنه يمكن بالثلاث ، سلمنا لكن هو ممسك بكفه كلها لا آكل بها ، سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال . ويؤخذ من حديث كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أصابع وإن كان الأكل بأكثر منها جائزا .

                                                                                                                                            وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عبيد الله بن يزيد أنه رأى ابن عباس إذا أكل لعق أصابعه الثلاث . قال عياض : والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقم ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث ، فإن اضطر إلى ذلك لخفة الطعام وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة قوله : ( حتى يلعقها أو يلعقها ) الأول بفتح حرف المضارعة ، والثاني بضمها : أي يلعقها زوجته أو جاريته أو خادمه أو ولده ، وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها . وكذا لو ألعقها شاة ونحوها .

                                                                                                                                            وقال البيهقي : إن قوله " أو يلعقها " شك من الراوي ، ثم قال : فإن كانا جميعا محفوظين فإنما أراد أن يلعقها صغيرا أو من يعلم أنه لا يتقذر بها ، ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق أصبعه فمه فيكون بمعنى يلعقها فتكون أو للشك . قال ابن دقيق العيد : جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات أنه لا يدري في أي طعامه البركة ، وقد يعلل أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق ، لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه ، وقد عرفت [ ص: 190 ] أنه في صحيح مسلم كما في الباب قوله : ( وقال فيه بالمنديل ) هو أيضا في صحيح مسلم بلفظ " فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه " وفي حديث جابر أنهم لم يكن لهم مناديل ، ومفهومه يدل على أنها لو كانت لهم مناديل لمسحوا بها قوله : ( استغفرت له القصعة ) فيه أن ذلك من القرب التي ينبغي المحافظة عليها ; لأن استغفار القصعة دليل على كون الفعل مما يثاب عليه الفاعل قوله : ( إلا أكفنا وسواعدنا ) فيه الإخبار بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا والزهد فيها والانتفاع بالأكف والسواعد كما ينتفع غيرهم بالمناديل ، وقد تقدم الكلام على الوضوء مما مست النار قوله : ( غمر ) بفتح الغين المعجمة والميم معا : هو ريح دسم اللحم وزهومته كالوضر من السمن ، ذكر معنى ذلك في النهاية قوله : ( ولم يغسله ) إطلاقه يقتضي حصول السنة بمجرد الغسل بالماء .

                                                                                                                                            قال ابن رسلان : والأولى غسل اليد منه بالأشنان والصابون وما في معناهما قوله : ( وأصابه شيء ) في رواية للطبراني { من بات وفي يده ريح غمر فأصابه وضح } أي برص قوله : ( فلا يلومن إلا نفسه ) أي لأنه الذي فرط بترك الغسل فأتى الشيطان فلحس يده فوقع بها البرص أخرج الترمذي عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم ، من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه } وقد جاء في الحديث تخصيص غسل اليد بأكل اللحم ، فأخرج أبو يعلى بإسناد ضعيف من حديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وضره } .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية