الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله : فاتقوا النار جواب ( فإن لم تفعلوا ) أي اتقوا النار بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم وطاعة الله تعالى . وقد تقدم معنى التقوى فلا معنى لإعادتها . ويقال : إن لغة تميم وأسد " فتقوا النار " . وحكى سيبويه : تقى يتقي ، مثل قضى يقضي . " النار " مفعولة . ( التي ) من نعتها . وفيها ثلاث لغات : التي واللت ( بكسر التاء ) واللت ( بإسكانها ) . وهي اسم مبهم للمؤنث وهي معرفة ، ولا يجوز نزع الألف واللام منها للتنكير ، ولا تتم إلا بصلة ، وفي تثنيتها ثلاث لغات أيضا : اللتان واللتا ( بحذف النون ) واللتان ( بتشديد النون ) وفي جمعها خمس لغات : اللاتي ، وهي لغة القرآن . واللات ( بكسر التاء بلا ياء ) . واللواتي . واللوات ( بلا ياء ) ، وأنشد أبو عبيدة :


من اللواتي واللتي واللاتي زعمن أن قد كبرت لداتي

واللوا ( بإسقاط التاء ) ، هذا ما حكاه الجوهري وزاد ابن الشجري : اللائي ( بالهمز وإثبات الياء ) . واللاء ( بكسر الهمزة وحذف الياء ) . واللا ( بحذف الهمزة ) فإن جمعت الجمع قلت في اللاتي : اللواتي وفي اللائي : اللوائي . قال الجوهري : وتصغير التي اللتيا ( بالفتح والتشديد ) ، قال الراجز العجاج :


بعد اللتيا واللتيا والتي     إذا علتها أنفس تردت

وبعض الشعراء أدخل على " التي " حرف النداء ، وحروف النداء لا تدخل على ما فيه الألف واللام إلا في قولنا : يا الله ، وحده . فكأنه شبهها به من حيث كانت الألف واللام غير مفارقتين لها ، وقال :


من أجلك يا التي تيمت قلبي     وأنت بخيلة بالود عني

[ ص: 225 ] ويقال : وقع فلان في اللتيا والتي ، وهما اسمان من أسماء الداهية . والوقود ( بالفتح ) : الحطب . وبالضم : التوقد . والناس عموم ، ومعناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء أنه يكون حطبا لها ، أجارنا الله منها . والحجارة هي حجارة الكبريت الأسود - عن ابن مسعود والفراء - وخصت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب : سرعة الاتقاد ، نتن الرائحة ، كثرة الدخان ، شدة الالتصاق بالأبدان ، قوة حرها إذا حميت . وليس في قوله تعالى : وقودها الناس والحجارة دليل على أن ليس فيها غير الناس والحجارة ، بدليل ما ذكره في غير موضع من كون الجن والشياطين فيها . وقيل : المراد بالحجارة الأصنام ، لقوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أي حطب جهنم . وعليه فتكون الحجارة والناس وقودا للنار وذكر ذلك تعظيما للنار أنها تحرق الحجارة مع إحراقها للناس . وعلى التأويل الأول يكونون معذبين بالنار والحجارة . وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كل مؤذ في النار . وفي تأويله وجهان : أحدهما - أن كل من آذى الناس في الدنيا عذبه الله في الآخرة بالنار . الثاني - أن كل ما يؤذي الناس في الدنيا من السباع والهوام وغيرها في النار معد لعقوبة أهل النار . وذهب بعض أهل التأويل إلى أن هذه النار المخصوصة بالحجارة هي نار الكافرين خاصة . والله أعلم . روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب قال قلت : يا رسول الله ، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، فهل نفعه ذلك ؟ قال : ( نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح - في رواية - ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار ) . وقودها مبتدأ . الناس خبره . والحجارة عطف عليهم . وقرأ الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف : " وقودها " ( بضم الواو ) . وقرأ عبيد بن عمير : " وقيدها الناس " . قال الكسائي والأخفش : الوقود ( بفتح الواو ) : الحطب ، و ( بالضم ) : الفعل ، يقال : وقدت النار تقد وقودا ( بالضم ) ووقدا وقدة ووقيدا ووقدا ووقدانا ، أي توقدت . وأوقدتها أنا واستوقدتها أيضا . والاتقاد مثل التوقد ، والموضع موقد ، مثل مجلس ، والنار موقدة . والوقدة : شدة الحر ، وهي عشرة أيام أو نصف شهر . قال النحاس : يجب على هذا ألا يقرأ إلا " وقودها " بفتح الواو ; لأن المعنى [ ص: 226 ] حطبها ، إلا أن الأخفش قال : وحكي أن بعض العرب يجعل الوقود والوقود بمعنى الحطب والمصدر . قال النحاس : وذهب إلى أن الأول أكثر ، قال : كما أن الوضوء الماء ، والوضوء المصدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية