الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ تعريف التواتر لغة واصطلاحا ] ( ومنه ذو تواتر ) ، بل قال شيخنا : إن كل متواتر مشهور ، ولا ينعكس . يعني فإنه لا يرتقي للتواتر إلا بعد الشهرة ، فهو لغة : ترادف الأشياء المتعاقبة واحدا بعد واحد ، بينهما فترة ، ومنه قوله تعالى : ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) ; أي : رسولا بعد رسول ، بينهما فترة . واصطلاحا : هو ما يكون ( مستقرا في ) جميع ( طبقاته ) ، أنه من الابتداء إلى الانتهاء ورد عن جماعة غير محصورين في عدد معين ، ولا صفة مخصوصة ، بل بحيث يرتقون إلى حد تحيل العادة معه تواطؤهم على الكذب ، أو وقوع الغلط منهم اتفاقا من غير قصد . وبالنظر لهذا خاصة يكون العدد في طبقة كثيرا ، وفي أخرى قليلا ; إذ الصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه .

هذا كله مع كون مستند انتهائه الحس ; من مشاهدة أو سماع ; لأن ما لا يكون كذلك يحتمل دخول الغلط فيه ، ونحوه كما اتفق أن سائلا سأل مولى أبي [ ص: 16 ] عوانة بمنى ، فلم يعطه شيئا ، فلما ولى لحقه أبو عوانة فأعطاه دينارا ، فقال له السائل : والله لأنفعنك بها يا أبا عوانة . فلما أصبحوا وأرادوا الدفع من المزدلفة ، وقف ذلك السائل على طريق الناس وجعل ينادي إذا رأى رفقة من أهل العراق : يا أيها الناس ، اشكروا يزيد بن عطاء الليثي ، يعني مولى أبي عوانة ; فإنه تقرب إلى الله عز وجل اليوم بأبي عوانة فأعتقه . فجعل الناس يمرون فوجا فوجا إلى يزيد ، يشكرون له ذلك وهو ينكره ، فلما كثر هذا الصنيع منهم قال : ومن يقدر على رد هؤلاء كلهم ؟ ! اذهب فأنت حر .

وأن لا يكون مستنده ما ثبت بقضية العقل الصرف ; كـ : الواحد نصف الاثنين ، والأمور النظريات ; إذ كل واحد منهم يخبر عن نظره ، وكله مقبول ; لإفادته القطع بصدق مخبره ، بخلاف غيره من أخبار الآحاد كما سلف ، وليس من مباحث هذا الفن ; فإنه لا يبحث عن رجاله ; لكونه لا دخل لصفات المخبرين فيه ; ولذلك لم يذكره من المحدثين إلا القليل ; كالحاكم ، والخطيب في أوائل ( الكفاية ) ، وابن عبد البر ، وابن حزم .

وقال ابن الصلاح : إن أهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص .

وإن كان الخطيب قد ذكره ، ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ، ولعل ذلك لكونه لا يشمله صناعتهم ، ولا يكاد يوجد في رواياتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية