الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2530 (6) باب النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

                                                                                              [ 1465 ] عن نافع، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض".

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 153 )، والبخاري (2139)، ومسلم (1412)، وأبو داود (2080)، والترمذي (1292)، والنسائي (6 \ 72 - 73)، وابن ماجه (2171). [ ص: 107 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 107 ] (6) ومن باب: النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه

                                                                                              الخطبة - بالكسر -: هي استدعاء التزويج والكلام فيه، يقال منه: خطبت المرأة خطبة - بالكسر -: طلبتها منه. والخطبة - بالضم -: هي كلام الخطباء. ومن كلام علمائنا: تستحب الخطبة - بالضم - عند الخطبة - بالكسر -.

                                                                                              وهذه الأحاديث التي جاء فيها النهي عن خطبة الرجل على خطبة أخيه ظاهرها العموم، لكن قد خصصها أصحابنا بحديث فاطمة بنت قيس الذي يأتي ذكره في الطلاق. وذلك: أنها لما انقضت عدتها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية خطباني. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سيأتي ذكره.

                                                                                              وهذا يدل على جواز الخطبة على الخطبة، لكن جمع أئمتنا بين الحديثين بأن حملوا النهي على ما إذا تقاربا وتراكنا. وحملوا حديث الجواز على ما قبل ذلك. وهي طريقة حسنة؛ [ ص: 108 ] فإن فيها إعمال كل واحد من الحديثين، ومراعاة للمعنى. فإن المفسدة إنما تحصل بتأكد التراكن.

                                                                                              واختلف أصحابنا في التراكن. فقيل: هو مجرد الرضا بالزوج، والميل إليه، وقيل: بتسمية الصداق. وهذا عند أصحابنا محمول على ما إذا كانا شكلين. قال ابن القاسم : لا أرى الحديث إلا في الرجلين المتقاربين، فأما صالح وفاسق فلا. قال ابن العربي : لا ينبغي أن يختلف في هذا. وقال الشافعي : إنما النهي فيما إذا أذنت المرأة لوليها أن ينكحها من رجل معين.

                                                                                              قلت: وهذا فيه بعد، فإنه حمل العموم الذي قصد به تقعيد قاعدة على صورة نادرة. وهذا مثل ما أنكره الشافعي على أبي حنيفة ؛ إذ حمل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) على المكاتبة. وتحقيقه في الأصول.

                                                                                              والقول في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع أحدكم على بيع أخيه) محمول على مثل ما تقدم في قوله: ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ).

                                                                                              وقد حمله بعض العلماء على ظاهره وعمومه، حتى كره بيع المزايدة خوفا من الوقوع في ذلك. وهذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى قد أحل البيع مطلقا، وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه بيع المزايدة على ما في كتاب أبي داود : فأخذ في يده حلسا وقدحا كانا لرجل سأله صدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: (من يشتري مني هذا بدرهم؟) وقال رجل: هو لي بدرهم. فقال: (من يشتري مني هذا بدرهمين؟) فقال آخر: هو لي بدرهمين. فباعه منه، ثم دفعهما لصاحب الحلس والقدح. وسيأتي الحديث في كتاب البيوع إن شاء [ ص: 109 ] الله تعالى.

                                                                                              فإذا طرح بيع المزايدة عن المنع، فلم يبق إلا أن يحمل على ما إذا تقاربا وتراكنا.

                                                                                              واختلف فيما إذا وقعت الخطبة على الخطبة، والبيع على البيع. فذهب جل أصحابنا، والكوفيون إلى إمضاء العقد. وذهب داود وبعض أصحابنا إلى فسخه. وقد روي القولان لمالك والشافعي على ما شرح من مذهبه.

                                                                                              وقول ثالث في النكاح: الفسخ فيه قبل البناء، والإمضاء بعده. وهو لأصحابنا. ولا خلاف في أن فاعل ذلك عاص، آثم.

                                                                                              و (قوله: لا يبع ) و ( لا يسم ) قد يصح أن يحملا على معنى واحد. فيقال: سمت؛ بمعنى: بعت، ويصح أن يحمل: سمت على اشتريت، فيكونان متغايرين؛ أعني: بعت، وسمت. على أن: بعت واشتريت يدخل كل واحد منهما على الآخر؛ فيقال: بعته؛ بمعنى: اشتريته، وشريته؛ بمعنى: بعته. وكذلك: سمت. وسيأتي لهذا مزيد بيان في البيوع إن شاء الله تعالى.




                                                                                              الخدمات العلمية