الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وللاعتكاف أربعة أركان : مسجد ولبث ونية ومعتكف ، وقد شرع في أولها فقال ( وإنما يصح الاعتكاف ، في المسجد ) للاتباع رواه الشيخان وللإجماع ولقوله تعالى { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } إذ ذكر المساجد لا جائز أن يكون لجعلها شرطا في منع مباشرة المعتكف

                                                                                                                            [ ص: 216 ] لمنعه منها ولو خارج المسجد ولمنع غيره منها فيها فتعين كونها شرطا لصحة الاعتكاف ، ( ولا يفتقر شيء من العبادات إلى المسجد إلا التحية والاعتكاف والطواف ) ، ولا فرق بين سطحه وصحنه ورحبته المعدودة منه ، وأفهم كلامه عدم صحته فيما وقف جزؤه شائعا مسجدا أو في مسجد أرضه مستأجرة وهو كذلك ، وما رجحه الإسنوي من قول بعضهم : ( لو بنى فيه مسطبة ووقفها مسجدا صح ) كما يصح على سطحه وجدرانه ظاهر وإن قال الزركشي بالصحة وإن لم يبنها به إذ المسجد هو البناء الذي في تلك الأرض لا الأرض ومن هنا يعلم ( صحة وقف العلو دون السفل ) مسجدا كعكسه وعدم صحة وقف المنقول مسجدا كما سيأتي في كتاب الوقف . قال العز بن عبد السلام : ( لو اعتكف فيما ظنه مسجدا ) فإن كان كذلك في الباطن فله أجر قصده واعتكافه وإلا فقصده فقط ( و ) المسجد ( الجامع ) وهو ما تقام الجمعة فيه ( أولى ) بالاعتكاف من غيره خروجا من خلاف جماعة من الصحابة وغيرهم في إيجابه لكثرة

                                                                                                                            [ ص: 217 ] لكثرة الجماعة فيه وللاستغناء عن الخروج للجمعة ، وشمل كلامه أخذا من العلة الأولى ما لو كان غيره أكثر جماعة منه وكان زمان الاعتكاف دون أسبوع أو كان المعتكف ممن لا تلزمه الجمعة ، وهو الأوجه كما قال الأذرعي إنه قضية إطلاق الشافعي والجمهور ، وإن اقتضى قول الرافعي إن مراعاة الجمعة أظهر عند الشافعي خلافه إذ الخروج من الخلاف أولى ، ( والنص على أن من لا تلزمه الجمعة يعتكف حيث شاء من المساجد ) لا يؤيد اعتبار مراعاة الجمعة لأن مراد النص سلب وجوب الجامع مطلقا على من لا تلزمه الجمعة ، بخلاف غيره فقد تجب عليه ، ولذلك حذف المصنف في الروضة ما ذكره الرافعي وأطلق أولوية الجامع من غير تفصيل . نعم قد ( يجب الجامع في الاعتكاف كأن نذر زمنا متتابعا فيه يوم جمعة ) وهو ممن تلزمه ولم يشترط الخروج لها ، إذ خروجه لها يقطع التتابع لتقصيره بعدم اعتكافه في الجامع ، ويؤخذ منه كما قاله الأذرعي عدم بطلان تتابعه بالخروج لها فيما لو كانت الجمعة تقام بين أبنية القرية في غير جامع ، ومثله ما لو كانت صغيرة لا تنعقد الجمعة بأهلها فأحدث بها جامع وجماعة بعد نذره واعتكافه ، ( ولو استثني الخروج لها وفي البلدة جامعان فمر على أحدهما وذهب إلى الآخر ) لم يضر إن كان الذي ذهب إليه يصلي فيه أولا ، فإن صلى أهل كل منهما في ذلك في وقت واحد بطل تتابعه كما أفتى به القفال ، أما إذا لم يشرط التتابع فلا يجب الجامع لصحة اعتكافه في سائر المساجد لمساواتها له في الأحكام ، ويستثنى من أولوية الجامع ما لو عين غيره فالمعين أولى إن لم يحتج لخروجه للجمعة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : في المسجد ) أي ولو ظنا فيما يظهر وعبارة الشارح في باب الغسل بعد قول المصنف واللبث بالمسجد لا عبوره نصها : وهل شرط الحرمة تحقق المسجدية أو يكتفى بالقرينة ؟ فيه احتمال ، والأقرب إلى كلامهم الأول ، وعليه فالاستفاضة كافية ما لم يعلم أصله كالمساجد المحدثة بمنى ا هـ

                                                                                                                            [ ص: 216 ] قوله : المعدودة منه ) صفة كاشفة ويحتمل أن المراد المتصلة به ، فإن خرج إلى رحبته المنفصلة منه انقطع اعتكافه أخذا مما سيأتي في خروج المؤذن الراتب إلى منارة بابها فيه أو في رحبته المتصلة به فإن مفهومه أن المنفصلة عنه ينقطع تتابعه بالخروج إلى المنارة التي بابها بالمنفصلة .

                                                                                                                            [ فرع ] شجرة أصلها بالمسجد وأغصانها خارجه هل يصح الاعتكاف على الأغصان أو لا ؟ والذي يتجه الصحة ولو انعكس الحال فكان أصل الشجرة خارجه وأغصانها داخله ففيه نظر ، ويتجه الصحة أيضا أخذا من صريح كلام سم على حج في باب الحج في فصل يستحب للإمام أو منصوبه أن يخطب بمكة إلخ بعد قول المصنف وواجب الوقوف حضوره بجزء من أرض عرفات حيث ذكر ما يفيد التسوية ، في الاعتكاف بين الصورتين . والتفرقة في الحج بين ما أصلها في الحرم وأغصانها خارجه فلا يصح الاعتكاف على الأغصان بخلاف عكسه ، لكن يراجع قوله فلا يصح الاعتكاف إلخ ولعله فلا يصح الوقوف ( قوله : فيما وقف جزؤه شائعا مسجدا ) ولعل الفرق بين الاعتكاف وتحية المسجد حيث صحت فيما وقف جزؤه شائعا أن الغرض منه التعظيم وهو حاصل بذلك ، وأيضا صحة الصلاة لا تتوقف على المسجدية بخلافه ( قوله : أو في مسجد أرضه مستأجرة ) ومنه الأرض المحتكرة ، وصورة مسألة الاستئجار أن لا يفرش بالبلاط مثلا ثم يوقف ما فرش بأرضه مسجدا ( قوله : لو بنى فيه ) أي في المسجد الذي أرضه مستأجرة ( قوله : مسطبة ) أي أو سمر فيه دكة من خشب أو نحو سجادة مر ا هـ سم على حج ومثله ما لو فعل ذلك في ملكه ( قوله : إذ المسجد ) توجيه لقوله ظاهر ( قوله ومن هنا يعلم صحة وقف العلو إلخ ) ومنه الخلاوي والبيوت التي توجد في بعض المساجد وهي مشروطة للإمام أو نحوه ويسكنون فيها بزوجاتهم ، فإن علم أن الواقف وقف ما عداها مسجدا جاز المكث فيها مع الحيض والجنابة والجماع فيها وإلا حرم لأن الأصل المسجدية ( قوله مسجدا ) راجع لقوله لا الأرض نفسها ( قوله وعدم صحته وقف المنقول مسجدا ) ظاهر وإن أثبت ، ونقل عن فتاوى شيخ الإسلام خلافه فليراجع وهو موافق لما تقدم عن سم على حج ( قوله : وإلا فقصده إلخ )

                                                                                                                            [ ص: 217 ] ومثل ذلك كل عبادة تلبس بها ثم تبين فيها خلل يقتضي فسادها ( قوله : وللاستغناء عن الخروج للجمعة ) بل يتعين فيما نذر اعتكاف مدة متتابعة يتخللها جمعة وهو من أهلها لأن الخروج لها يقطع التتابع ا هـ شرح البهجة الكبير . ثم رأيت قوله الآتي نعم قد يجب الجامع إلخ ( قوله : أخذا من العلة الأولى ) هي قوله خروجا من خلاف جماعة إلخ والعلة الثانية هي قوله وللاستغناء عن الخروج للجمعة ( قوله : أكثر جماعة ) خرج به ما لو انتفت الجماعة منه بالمرة كأن هجر فينبغي أن يكون غيره أولى ، ولا يعارضه قوله إذ الخروج من الخلاف أولى لأن محل ذلك ما لم يعارضه ما هو أقوى منه ، والجماعة أقوى لأنها فرض كفاية والخروج من الخلاف سنة وإذا تعارض الواجب وغيره قدم الواجب ( قوله : إن مراعاة الجمعة ) لعله الجماعة ( قوله : لتقصيره ) أي وعليه فلو نوى اعتكاف تلك المدة هل تبطل نيته أو لا تبطل ، ويجب عليه الخروج لأجل الجمعة بعد وإن قطع التتابع فيه نظر والأقرب الثاني ( قوله : عدم بطلان تتابعه بالخروج لها إلخ ) أي وينبغي أن يغتفر له بعد فعلها ما ورد الحث على طلبه من الفاتحة والإخلاص والمعوذتين دون ما زاد على ذلك كالسنة البعدية والتسبيحات وصلاة الظهر ، وما زاد على ذلك فإنه يقطع التتابع ، وينبغي أن يكون خروجه من محل اعتكافه للجمعة في الوقت الذي يمكنه إدراك الجمعة فيه دون ما زاد عليها وإن فوت التبكير لأن في الاعتكاف جابرا له ( قوله إن كان الذي ذهب إليه يصلي فيه إلخ ) ظاهره وإن جاز التعدد وهو ظاهر ، لأن الجمعة صحيحة في السابقة اتفاقا ومختلف فيها في الثانية وإن احتيج إليها ( قوله : بطل تتابعه ) أي بمجاوزته للأول ، وظاهره وإن أخلف ذلك بأن تقدم فعل أهل الثاني على خلاف العادة وينبغي خلافه فيتبين به عدم بطلان اعتكافه ( قوله : إن لم يحتج لخروجه ) أي بأن كانت المدة تنقضي قبل مجيء [ ص: 218 ] الجمعة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 216 ] قوله : وأفهم كلامه عدم صحته فيما وقف جزؤه شائعا ) أي لأنه لا يسمى مسجدا بالإطلاق فهو خارج بإطلاقه المسجد ( قوله وإن قال الزركشي بالصحة ) أي اكتفاء بكونه في هواء السقف والجدران ( قوله : لو اعتكف فيما ظنه مسجدا إلخ ) هل يقاس به في هذا التفصيل تحية المسجد الظاهر لا للتردد في نية الصلاة وبابها أضيق .

                                                                                                                            [ ص: 217 ] قوله : لكثرة الجماعة فيه ) لعله سقط قبله واو من الكتبة وإلا فهو ليس علة للإيجاب كما هو ظاهر ومثله في الإمداد ، لكن الذي في كلام غيرهما أنه علة ثانية مستقلة ( قوله : ما لو كان غيره أكثر جماعة ) أي فقوله قبله لكثرة الجماعة فيه بالنظر للغالب ( قوله : سلب وجوب الجامع مطلقا على من لا تلزمه ) على فيه بمعنى عن




                                                                                                                            الخدمات العلمية