الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 132 ] فصل في مقتل أمية بن خلف

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، وحدثنيه أيضا عبد الله بن أبي بكر وغيرهما ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : كان أمية بن خلف لي صديقا بمكة ، وكان اسمي عبد عمرو ، فتسميت حين أسلمت : عبد الرحمن . فكان يلقاني إذ نحن بمكة فيقول : يا عبد عمرو ، أرغبت عن اسم سماكه أبواك ؟ قال : فأقول : نعم . قال : فإني لا أعرف الرحمن ، فاجعل بيني وبينك شيئا أدعوك به ، أما أنت فلا تجيبني باسمك الأول ، وأما أنا فلا أدعوك بما لا أعرف . قال : وكان إذا دعاني : يا عبد عمرو ، لم أجبه . قال : فقلت له : يا أبا علي ، اجعل ما شئت . قال فأنت عبد الإله . قال : قلت : نعم . قال : فكنت إذا مررت به قال : يا عبد الإله . فأجيبه فأتحدث معه ، حتى إذا كان يوم بدر ، مررت به وهو واقف مع ابنه علي ، وهو آخذ بيده . قال : ومعي أدراع لي قد استلبتها ، فأنا أحملها ، فلما رآني قال : يا عبد عمرو . فلم أجبه . فقال : يا عبد الإله . فقلت : نعم . قال : هل لك في ، فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك ؟ قال : قلت : نعم ، ها الله . قال : فطرحت الأدراع من يدي ، وأخذت بيده وبيد ابنه ، [ ص: 133 ] وهو يقول : ما رأيت كاليوم قط ، أما لكم حاجة في اللبن ؟ ثم خرجت أمشي بهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : حدثني عبد الواحد بن أبي عون ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذ بأيديهما : يا عبد الإله ، من الرجل منكم ، المعلم بريشة نعامة في صدره ؟ قال : قلت : ذاك حمزة . قال : ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل . قال عبد الرحمن : فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ، وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على الإسلام ، فلما رآه قال : رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا . قال : قلت : أي بلال ، أبأسيري ؟ قال : لا نجوت إن نجا . قال : ثم صرخ بأعلى صوته : يا أنصار الله ، رأس الكفر أمية بن خلف ، لا نجوت إن نجا . فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة ، فأنا أذب عنه . قال : فأخلف رجل السيف ، فضرب رجل ابنه فوقع ، وصاح أمية صيحة ما سمعت بمثلها قط . قال : قلت : انج بنفسك ولا نجاء ، فوالله ما أغني عنك شيئا . قال : فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما . قال : فكان عبد الرحمن يقول : يرحم الله بلالا ، فجعني بأدراعي وبأسيري . [ ص: 134 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا رواه البخاري في " صحيحه " قريبا من هذا السياق ، فقال في الوكالة : حدثنا عبد العزيز ، هو ابن عبد الله ، حدثنا يوسف ، هو ابن الماجشون ، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده عبد الرحمن بن عوف قال : كاتبت أمية بن خلف كتابا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ، فلما ذكرت الرحمن قال : لا أعرف الرحمن ، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية . فكاتبته عبد عمرو ، فلما كان يوم بدر ، خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس ، فأبصره بلال ، فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال : أمية بن خلف ؟ ! لا نجوت إن نجا أمية ، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا ، فلما خشيت أن يلحقونا ، خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه ثم أتوا حتى تبعونا ، وكان رجلا ثقيلا ، فلما أدركونا قلت له : ابرك . فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه ، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه ، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه . فكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه . سمع يوسف صالحا ، وإبراهيم أباه . تفرد به البخاري من بينهم كلهم . وفي مسند رفاعة بن رافع ، أنه هو الذي قتل أمية بن خلف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية