الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            الشرط الثاني المختلف فيه ، تعين مكان الإيفاء . قال القاضي : ليس بشرط . وحكاه ابن المنذر عن أحمد ، وإسحاق ، وطائفة من أهل الحديث . وبه قال أبو يوسف ومحمد . وهو أحد قولي الشافعي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : من أسلم فليسلم في كيل معلوم ، أو وزن معلوم ، إلى أجل معلوم } . ولم يذكر مكان الإيفاء ، فدل على أنه لا يشترط .

                                                                                                                                            وفي الحديث الذي فيه { ، أن اليهودي أسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما من حائط بني فلان فلا ، ولكن كيل مسمى ، إلى أجل مسمى } . ولم يذكر مكان الإيفاء . ولأنه عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه ذكر مكان الإيفاء ، كبيوع الأعيان ، وقال الثوري : يشترط ذكر مكان الإيفاء . وهو القول الثاني للشافعي وقال الأوزاعي : هو مكروه لأن القبض يجب بحلوله ، ولا يعلم موضعه حينئذ ، فيجب شرطه لئلا يكون مجهولا . وقال أبو حنيفة ، وبعض أصحاب الشافعي : إن كان لحمله مؤنة ، وجب شرطه ، وإلا فلا يجب ; لأنه إذا كان لحمله مؤنة اختلف فيه الغرض ، بخلاف ما لا مؤنة فيه .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي موسى : إن كانا في برية لزم ذكر مكان الإيفاء ، وإن لم يكونا في برية ، فذكر مكان الإيفاء حسن ، وإن لم يذكراه كان الإيفاء في مكان العقد ; لأنه متى كانا في برية لم يمكن التسليم في مكان العقد فإذا ترك ذكره كان مجهولا ، وإن لم يكونا في برية اقتضى العقد التسليم في مكانه ، فاكتفى بذلك عن ذكره ، فإن ذكره كان تأكيدا ، فكان حسنا فإن شرط الإيفاء في مكان سواء ، صح ; لأنه عقد بيع فصح شرط ذكر الإيفاء في غير مكانه ، كبيوع الأعيان . ولأنه شرط ذكر مكان الإيفاء ، فصح ، كما لو ذكره في مكان العقد .

                                                                                                                                            وذكر ابن أبي موسى رواية أخرى ، أنه لا يصح لأنه شرط خلاف ما اقتضاه العقد ، لأن العقد يقتضي الإيفاء في مكانه . وقال القاضي ، وأبو الخطاب : متى ذكر مكان الإيفاء ، ففيه روايتان ، سواء شرطه في مكان العقد أو في غيره ; لأن فيه غررا ، لأنه ربما تعذر تسليمه في ذلك المكان ، فأشبه تعيين المكيال . واختاره أبو بكر . وهذا لا يصح ; فإن في تعيين المكان غرضا ومصلحة لهما ، فأشبه تعيين الزمان .

                                                                                                                                            وما ذكروه من احتمال تعذر التسليم فيه يبطل بتعيين الزمان ، ثم لا يخلو إما أن يكون مقتضى العقد التسليم في مكانه ، فإذا شرطه فقد شرط مقتضى العقد ، أو لا يكون ذلك مقتضى العقد فيتعين ذكر مكان الإيفاء ، نفيا للجهالة عنه ، وقطعا للتنازع ، فالغرر في تركه لا في ذكره . وفارق تعيين المكيال ، فإنه لا حاجة إليه ، ويفوت به علم المقدار المشترط لصحة العقد ، ويفضي إلى التنازع ، وفي مسألتنا لا يفوت به شرط ، ويقطع التنازع ، فالمعنى المانع من التقدير بمكيال بعينه مجهول هو المقتضي لشرط مكان الإيفاء ، فكيف يصح قياسهم عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية