الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            الركن الرابع المعتكف وقد أشار لشروطه فقال ( وشرط المعتكف : الإسلام والعقل والنقاء عن الحيض ) والنفاس ( والجنابة ) فلا يصح اعتكاف الكافر وغير العاقل كالمجنون والمغمى عليه والسكران وغير المميز إذ لا نية لهم ولا حائض ونفساء وجنب لحرمة مكثهم فيه ، وقضية ما تقرر عدم صحة اعتكاف كل من حرم [ ص: 224 ] عليه المكث في المسجد

                                                                                                                            كذي جرح وقروح واستحاضة ونحوها حيث لم يمكن حفظ المسجد وهو كذلك ، وإن قال الأذرعي إنه موضع نظر . نعم لو اعتكف في مسجد وقف على غيره دونه صح اعتكافه فيه وإن حرم عليه لبثه فيه كما لو تيمم بتراب مغصوب ، ويقاس عليه ما يشبهه ، ولا يرد ذلك على من قيد بالحل لأن مكثه إنما حرم لأمر خارج : أعني استيفاء حق الغير وهو حرام ولو بغير مكث ، فالمكث في هذا لم يحرم لذاته ، ثم محل ما ذكر في المغمى عليه في الابتداء فإن طرأ عليه في أثناء اعتكافه لم يبطل ويحسب زمنه من الاعتكاف كما سيأتي في كلامه ويصح من المميز والعبد والمرأة وإن كره لذوات الهيئة كخروجهن للجماعة ، وحرم بغير إذن سيد وزوج . نعم إن لم تفت به منفعة كأن حضر المسجد : بإذنهما فنوياه جاز كما نبه عليه الزركشي ، ولو نذر اعتكاف زمن معين بالإذن ثم انتقل العبد لآخر بنحو بيع أو وصية أو إرث أو طلقت وتزوجت آخر جاز لهما بغير إذن الثاني لأنه صار مستحقا قبل وجوده ، لكن للمشتري الخيار إن جهل ذلك ولهما إخراجهما ولو من النذر ما لم يأذنا فيه وفي الشروع فيه وإن لم يكن زمنه معينا ولا متتابعا أو في أحدهما وزمنه معين ، وكذا إن أذنا في الشروع فيه فقط وهو متتابع وإن لم يكن زمنه معينا فلا يجوز لهما إخراجهما في الجميع لإذنهما في الشروع مباشرة أو بواسطة لأن الإذن في النذر المعين إذن في الشروع فيه ، والمعين لا يجوز تأخيره والمتتابع لا يجوز الخروج منه لما فيه من إبطال العبادة الواجبة بلا عذر ، ويجوز من المكاتب بلا إذن إن أمكن كسبه في المسجد أو كان لا يخل به ومن بعضه حر ولا مهايأة كالقن وإلا كان في نوبته كحر وفي نوبة سيده كقن .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لحرمة مكثهم ) قضيته أنه لو جاز لهم المكث لضرورة اقتضت

                                                                                                                            [ ص: 224 ] المكث صحة الاعتكاف ، ولو قيل بعدم الصحة لم يكن بعيدا لعدم أهليتهم لذلك ( قوله وإن حرم عليه لبثه فيه ) ظاهر أنه لا فرق بين كون جلوسه فيه ينقص منفعة أهله أو لا وفي إحياء الموات قبيل فصل المعدن إلخ ولغير أهل المدرسة ما اعتيد فيها من نحو نوم بها وطهر وشرب من مائها ما لم ينقص الماء عن حاجة أهلها فيما يظهر ، وعليه فيحمل ما هنا على مثل ذاك ويمكن استفادة التعميم من قوله وإن حرم إذ المعنى سواء حرم أو لا فالحرمة حيث شوش على أهله وعدمها حيث انتفى ذلك ، وأشار إلى هذا حج بقوله لأن إثمه : أي الاعتكاف فيما وقف على طائفة ليس هو منهم إن فرض لأمر خارج ( قوله : وإن كره لفوات الهيئة ) وهل يلحق بهن الخنثى الشاب فيكره له الخروج أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول احتياطا لعدم مخالطته للرجال ، لكن إلحاقه فيما مر بالرجل من عدم جريان الخلاف في اعتكافه في مسجد بيته قد يقتضي أنه لا كراهة في حقه ، إذ لو كره اعتكافه في المسجد لألحق بالمرأة في جريان الخلاف لتعذر المسجد عليه ( قوله : بغير إذن الثاني ) ومثل ذلك ما لو نذرت صوما وهي خلية أو متزوجة ثم طلقت وتزوجت بآخر فلها أن تصوم بحضور الزوج وليس له منعها من ذلك ( قوله : ولهما إخراجهما ) أي ولا إثم عليهما حينئذ وبقي ما لو اختلف اعتقاد السيد والعبد هل العبرة باعتقاد الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول أخذا مما قالوه في سترة المصلي من أن العبرة باعتقاد الفاعل ( قوله : وفي الشروع فيه ) أي ومن الشروع ( قوله أو كان لا يخل به ) أي بالكسب : أي أو كان معه ما بقي بالنجوم ( قوله : وإلا كان في نوبته كحر ) أي بأن كان بينهما مهايأة ( قوله : وفي نوبة سيده ) انظر لو أراد اعتكافا منذورا متتابعا أو لا تسعه نوبته وكان نذره

                                                                                                                            [ ص: 225 ] قبل المهايأة أو بعدها في نوبة السيد أو في نوبة نفسه وهي لا تسعه ، ويتجه حينئذ المنع بغير إذن السيد ، نعم إن لم يكن متتابعا فله اعتكاف قدر نوبته فيه كما هو ظاهر ا هـ سم على بهجة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله فالمكث في هذا لم يحرم لذاته ) قد يقال هلا قيل كذلك فيما مر في ذي الجروح والقروح والاستحاضة ونحوها ؟ وقد يجاب بأن ذاك وإن كانت الحرمة فيه أيضا [ ص: 225 ] غير ذاتية إلا أن الملحظ في المنع فيه صيانة المسجد عن النجاسة




                                                                                                                            الخدمات العلمية