الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1513 1590 - حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني الزهري، عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد يوم النحر وهو بمنى: " نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر". يعني: ذلك المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب -أو بني المطلب- أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              وقال سلامة عن عقيل ويحيى بن الضحاك، عن الأوزاعي: أخبرني ابن شهاب. وقالا: بني هاشم وبني المطلب.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله: بني المطلب أشبه. [انظر: 1589- مسلم: 1314 - فتح: 3 \ 453]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أراد قدوم مكة: "منزلنا غدا -إن شاء الله- بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر". وبه قال قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد يوم النحر وهو بمنى: "نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر". يعني بذلك: المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب .. الحديث. وقال سلامة: عن عقيل ويحيى بن الضحاك، عن الأوزاعي، أخبرني ابن [ ص: 317 ] شهاب، وقالا: بني هاشم وبني المطلب.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله: بني المطلب أشبه. قلت: ويحيى بن الضحاك هو يحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي، مات سنة ثماني عشرة ومائتين ، وسلامة هو ابن روح بن خالد بن أخي عقيل، كنيته أبو خربق بالخاء المعجمة، ثم راء، ثم باء موحدة، ولم يسمع من عقيل، ومات سنة ثمان وتسعين ومائة ، ولم يسمع يحيى من الأوزاعي كما قاله يحيى بن معين ، لكنه كان في حجره، لا جرم قال أبو عبد الرحمن: حديث الأوزاعي غير محفوظ، وخرج طرفا منه عن مالك عن الزهري -أي: عن علي بن الحسين، عن عمرو، عن [ ص: 318 ] أسامة- قلت: يا رسول الله، أين تنزل غدا؟ في حجته فقال: "وهل ترك لنا عقيل منزلا" أخرجه في الجهاد عن محمود، عن عبد الرزاق، أنا معمر والأوزاعي، عن الزهري به، وزيادة ثم قال: قال الزهري: والخيف: الوادي ، وقال : الصواب من حديث مالك: عمرو وقال البخاري: عمر وهم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وقال الدارقطني في "موطآته": رواه روح بن عبادة وخالد بن مخلد ومكي بن إبراهيم عن مالك فسماه عمرا. وفي رواية القعنبي ويحيى بن بكير، عن مالك: عمر، أو عمرو على الشك.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية إسحاق الطباع: قال مالك: أنا أعرف به، كان عمر بن عثمان جاري، وقد أخطأ من سماه عمرا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حاتم الرازي فيما ذكره عنه ابنه في "علله ": تفرد الزهري برواية هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك فالكلام على البابين من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: ظاهر الإضافة في قوله: (أين تنزل غدا؟) من دارك. وفي أخرى ذكرها ابن التين: من ربع آبائك وأجدادك الملكية، يؤيده "هل ترك لنا عقيل من رباع" ؟ فأضافها إلى نفسه وظاهرها يقتضي [ ص: 319 ] الملك، فيحتمل أن يكون عقيل أخذها وتصرف فيها كما فعل أبو سفيان بدور المهاجرين.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: كان (عقيل باع) ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن هاجر من بني عبد المطلب، فعلى هذا يكون قوله - عليه السلام - ذلك تحرجا أن يرجع في شيء خرج منه لأجل الله، ولفظه يقتضي الاستفهام، ومعناه النفي، أي: ما ترك لنا شيئا. وأبعد من قال: يحتمل أنه حكم لها بحكم الدار، فإنها خرجت عن ملكه لما ملكها المسلمون، كما يقوله مالك والليث في هذه المسألة لا في هذا الحديث، وسبب بعده أنه يكون تعليله بأخذ عقيل لا يوافق، ويخرج عن أن يكون جوابا لما سأله. وقيل: كان أصلها لأبي طالب فأمسكه - عليه السلام - مدة حياته إياها، فلما مات أبو طالب ورثه عقيل وطالب ، واستولى عليها عقيل لما هاجر - عليه السلام - بحكم ميراثه من أبيه.

                                                                                                                                                                                                                              وعلى هذا فتكون إضافتها إليه مجازية; لأنه كان يسكنها لا أنه ملكها، والقول الأول أولى كما قاله القرطبي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عياض: احتواء أبي طالب على أملاك عبد المطلب لأنه كان أكبر ولده حين وفاته على عادة أهل الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني: فيه دلالة على أن مكة -شرفها الله- فتحت صلحا، وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الشافعي وأصحابه إلى ذلك، وذهب [ ص: 320 ] أبو حنيفة والأوزاعي ومالك وغيرهم إلى أنها فتحت عنوة .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بزيزة: وهو الصحيح، ونقله غيره عن الأكثرين. وفي حديث أبي شريح الكعبي دلالة على ذلك أيضا . وقيل: إن أسفلها دخله خالد بن الوليد عنوة، وأعلاها صلحا، كفوا عن الزبير والتزموا شرط أبي سفيان، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التزم أمان من لم يقاتل واستأنف أمان من قاتل، فلذلك استجار بأم هانئ رجلان، فلو كان الأمان عاما لم يحتاجا إلى ذلك، ولو لم يكن أمان لكان كل الناس كذلك. وفي "الإكليل" لأبي عبد الله الحاكم: والأخبار تدل أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل يوم الفتح في بيت أم هانئ ابنة عمه، وكان عمر بن الخطاب يأمر بنزع أبواب دور مكة إذا قدم الحاج، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بمكة فيما حكاه السهيلي أن ينهى أهلها عن كراء دورها إذا جاء الحاج، فإن ذلك لا يحل لهم، وعن مالك: إن كان الناس ليضربون فساطيطهم بدور مكة لا ينهاهم أحد.

                                                                                                                                                                                                                              ولابن ماجه من حديث علقمة بن نضلة: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، وإن دور مكة كانت تدعى السوائب، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن. وإسناده على شرطهما، ورماه البيهقي بالانقطاع .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 321 ] وللدارقطني من حديث عبد الله بن عمرو يرفعه: "من أكل كراء بيوت مكة أكل نارا" رواه عنه ابن أبي نجيح عبد الله بن يسار، ولم يدركه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المصنف" عن مجاهد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مكة حرم حرمها الله، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها" . وكان عطاء يكره إجارة بيوتها، والقاسم، وعبد الله بن عمرو ، وروي عن (محمد) بن علي: لم يكن لدور مكة أبواب . قال السهيلي: وهذا كله منتزع من أصلين، أحدهما: قوله تعالى: والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد [الحج: 25] وقال ابن عباس وابن عمر: الحرم كله مسجد .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني: أنه - عليه السلام - دخلها عنوة، غير أنه من على أهلها بأنفسهم وأموالهم، ولا يقاس عليها غيرها من البلاد كما ظن بعض الفقهاء، [ ص: 322 ] لأنها مخالفة لغيرها من وجهين:

                                                                                                                                                                                                                              أولهما: ما خص الله به رسوله حيث قال: قل الأنفال لله والرسول [الأنفال: 1].

                                                                                                                                                                                                                              ثانيهما: ما خص الله به مكة من أنه لا تحل غنائمها، ولا تلتقط لقطتها، وهي حرم الله وأمنه، فكيف تكون أرضها أرض خراج؟ فليس لأحد افتتح بلدا أن يسلك بها سبيل مكة، فأرضها إذا ودورها لأهلها، ولكن أوجب الله تعالى عليهم أن يوسعوا على الحجاج إذا قدموها من غير كراء فهذا حكمها، فلا عليك بعد هذا فتحت عنوة أو صلحا، وإن كان ظواهر الأحاديث أنها فتحت عنوة. وقال ابن شعبان: أجمعوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعلها فيئا كغيرها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطحاوي عن أبي يوسف: لا بأس ببيع أرضها وإجارتها كسائر البلدان، ذكر ذلك بعد أن قال: اختلف العلماء في بيعها وكرائها. فروي عن عطاء ومجاهد وطاوس أنه لا يحل بيع أرض مكة، ولا كراؤها، وهو قول أبي حنيفة، والثوري، ومحمد . وكره مالك بيعها وكراءها، وخالفهم آخرون فقالوا: لا بأس ببيع أرضها وإجارتها، وجعلوها كسائر البلدان، هذا قول أبي يوسف، وذكره ابن المنذر عن الشافعي، وعن طاوس إباحة الكراء ، وقال مجاهد: لا أرى به بأسا. ذكره ابن أبي شيبة ، وحكي عن عثمان أنه قال: رباعي التي بمكة يسكنها بني ويسكنها من [ ص: 323 ] أحبوا . وكان أحمد بن حنبل يتوقى الكراء في الموسم، ولا يرى بأسا بالشراء، واحتج بأن عمر اشترى دار السجن بأربعة آلاف درهم .

                                                                                                                                                                                                                              واحتج من أجاز بيعها وكراءها بحديث أسامة، لأنه ذكر ميراث عقيل لما تركه أبو طالب فيها من رباع ودور . وقال الشافعي: فأضاف الملك إليه وإلى من ابتاعها منه .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي: واعتبرنا ذلك فرأينا المسجد الحرام الذي كل الناس فيه سواء، لا يجوز لأحد أن يبني فيه بناء، ولا يحتجر منه موضعا، وكذلك حكم جميع المواضع التي لا يقع لأحد فيها ملك، وجميع الناس فيها سواء، ألا ترى أن عرفة لو أراد [رجل] أن يبني في الموقف بناء لم يكن له ذلك، وكذا منى، وقد قال - عليه السلام - لما قيل له: ألا تتخذ لك بمنى بيتا تستظل به؟ "لا، منى مناخ من سبق" حسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرط مسلم . وكذا فعلت عائشة لما [ ص: 324 ] سئلت في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب ابن أبي حاتم من حديث منصور بن شيبة عن أمه عن عائشة أنها قالت: لا يوضع حجر على حجر بمنى إلا أن يتخذ الرجل كنيفا. قال أبي: هو بلا عائشة، وهو منصور عن أبيه أشبه عندي، ومتن الكلام مشهور عن عائشة . ورأينا مكة على غير ذلك قد أجيز البناء فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يوم دخلها: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن" فأثبت لهم أملاكهم، فصفتها إذا صفة المواضع التي تجرى فيها الأملاك، وشراء عمر سبق، وقد اشتراه من صفوان، ومحال أن يشتري منه ما لا يجوز له ملكه، وقد ثبت عن الصحابة أنهم كانت لهم الدور بمكة، منهم الصديق، والزبير، وحكيم بن حزام، وعمرو بن العاص، وصفوان بن أمية وغيرهم، وتبايع أهل مكة لدورهم قديما أشهر من أن يخفى. واحتج من كره ذلك بحديث علقمة بن نضلة السالف.

                                                                                                                                                                                                                              قال إسماعيل بن إسحاق: وما تأول مجاهد في الآية وظاهر القرآن يدل على أنه المسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دورها، قال تعالى: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج: 25]، وقال: وكفر به والمسجد الحرام : أي: وعن المسجد [ ص: 325 ] الحرام، فدل ذلك كله على أن الذي كان المشركون يفعلونه هو التملك عن المسجد الحرام، وادعاؤهم أنهم أربابه وولاته، وأنهم يمنعون منه من أرادوا ظلما، وأن الناس كلهم فيه سواء، فأما المنازل والدور فلم تزل لأهل مكة، غير أن المواساة تجب عند الضرورة، ولعل عمر فعل هذا على سبيل المواساة عندها. ومناظرة الشافعي مع إسحاق بن راهويه في ذلك مشهور.

                                                                                                                                                                                                                              واعلم أن الروياني في "بحره" قال في باب بيع الكلاب: لا يكره بيع شيء من الملك المطلق إلا أرض مكة، فإنه يكره بيعها وإجارتها للخلاف. وتورع فيه، واستغربت الكراهة، والأحسن أن يقال خلاف الأولى; لأن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود، ولم يثبت في هذا شيء، والحصر المذكور غير صحيح، فإن بيع المصحف مكروه خلافا له، وكذا الشطرنج.

                                                                                                                                                                                                                              قال الروياني وغيره: ومحل الخلاف بين العلماء في بيع دور مكة وغيرها من الحرم، وهو في بيع نفس الأرض، وأما البناء فهو مملوك، فيجوز بيعه بلا خلاف.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي صفرة: هذا الحديث حجة في أن من خرج من بلده مسلما وبقي أهله وولده في دار الكفر، ثم غزا مع المسلمين بلده، أن أهله وماله وولده على حكم البلد، كما كانت دار النبي - صلى الله عليه وسلم - على حكم البلد، ولم ير - عليه السلام - نفسه أحق بها. وهذا قول مالك والليث، وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أشهب: ليس بفيء. وقيل: إن ضمه إليهم أهل الحرب ففيء [ ص: 326 ] وإلا فلا. وسيأتي اختلاف العلماء فيه في الجهاد، في باب: إذا غنم المشركون مال المسلم ، وبيان مذاهبهم فيها.

                                                                                                                                                                                                                              الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              فيه: أن المسلم لا يرث الكافر، وهو قول كافة الفقهاء حاشا معاذ بن جبل، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن الحنيفية، وإبراهيم النخعي. فإنهم قالوا: يرثه كالنكاح، كما حكاه ابن التين عنهم. وقال في "شرح المهذب": وهو قول العلماء كافة، إلا ما روي عن إسحاق بن راهويه وبعض السلف أن المسلم يرثه ، وأجمعوا أن الكافر لا يرث المسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أحمد: أن اختلاف الدين لا يمنع الإرث بالولاء. وحكاه الإمام عن علي، وقال: هو غريب لا أصل له . قلت: بل له أصل أصيل، وهو حديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يرث المسلم النصراني، إلا أن يكون عبده أو أمته" أخرجه النسائي وصححه [ ص: 327 ] الحاكم ، وسيأتي -إن شاء الله- في الفرائض مبسوطا.

                                                                                                                                                                                                                              واحتجاج ابن شهاب في الكتاب بالآية مراده أنهم لا يتوارثون مع كافر، ومعنى هاجروا في الآية إما هجروا قومهم، أو راحوا إلى الحبشة، ثم إلى مكة ثم لا هجرة منها؛ إذ صارت دار أمان.

                                                                                                                                                                                                                              الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              قوله إثر حديث أبي هريرة: (وقال سلامة) إلى أن قال: (وقالا: بني هاشم وبني المطلب) إنما أتى به لعدم التشكيك في بني عبد المطلب أو بني المطلب كما أسلفته قبل، ولهذا قال إثره: بنو المطلب أشبه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: قوله بني عبد المطلب وهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت). لو قال تحالفتا أو تحالفا لكان أوضح، وكان حصر بني هاشم لما بلغ قريشا فعل النجاشي بجعفر وأصحابه وإكرامه إياهم، كبر ذلك عليهم وغضبوا وأجمعوا على قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكتبوا كتابا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يخالطوهم، وكان الذي كتب الصحيفة منصور بن عكرمة العبدري فشلت يده، قاله في "الطبقات" ، وهو ما في ابن إسحاق أنه منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد العزى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الزبير في "أنسابه": اسمه بغيض بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 328 ] وقال الكلبي: هو منصور بن عامر بن هاشم أخو عكرمة بن عامر بن هاشم.

                                                                                                                                                                                                                              وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة. وقيل: بل كانت عند أم الجلاس بنت الخربة الخطلية خالة أبي جهل، وحصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين النبوة، وانحاز بنو المطلب بن عبد مناف إلى أبي طالب في شعبه، وخرج أبو لهب إلى قريش فظاهرهم على بني هاشم وبني المطلب، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، فكانوا لا يخرجون إلا من موسم إلى موسم حتى بلغهم الجهد، فأقاموا فيه ثلاث سنين، ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم، وبقي ما فيها من ذكر الله.

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ: ختموا على الكفر ثلاثة خواتم، وفي لفظ: سنتين، وآخر: سنين، فذكر ذلك سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، فقال أبو طالب لكفار قريش: إن ابن أخي أخبرني -ولم يكذبني قط- أن الله قد سلط على صحيفتكم الأرضة، فلحست ما كان فيها من جور وظلم، وبقي فيها كل ما ذكر به الله ، فإن كان ابن أخي صادقا نزعتم عن سوء رأيكم، وإن كان كاذبا دفعته لكم فقتلتموه أو استحييتموه، قالوا: قد أنصفتنا، فأرسلوا إلى الصحيفة، فإذا هي كما قال - عليه السلام -، فسقط في أيديهم، ونكثوا على رءوسهم، فقال [ ص: 329 ] أبو طالب: علام نحبس ونحصر وقد بان الأمر؟ فتلاوم رجال من قريش على ما صنعوا ببني هاشم، منهم: مطعم بن عدي، وعدي بن قيس، وربيعة بن الأسود، وأبو البختري بن هاشم وزهير بن أمية، ولبسوا السلاح لهم، ثم خرجوا إلى بني هاشم وبني المطلب، فأمروهم بالخروج إلى مساكنهم، ففعلوا، فلما رأت قريش ذلك سقط في أيديهم، وعرفوا أن لن يسلموهم، وكان خروجهم في الشعب في السنة العاشرة، ثم أذن - عليه السلام - بالخروج بالهجرة إلى المدينة .

                                                                                                                                                                                                                              والخيف: ما انحدر عن الجبل وارتفع عن السبيل، وبه سمي مسجد الخيف، ويقال: هو واد بعينه وسيأتي في البخاري في الجهاد عن الزهري أنه قال: الخيف: الوادي ، وقيل: هو المحصب.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية