الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه فإن صدقه المكاتب ثبت نسب الولد منه ) وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يعتبر تصديقه اعتبارا بالأب يدعي ولد جارية ابنه . ووجه الظاهر وهو الفرق أن المولى لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه حتى لا يتملكه والأب يملك تملكه فلا معتبر بتصديق الابن . [ ص: 56 ] قال : ( وعليه عقرها ) ; لأنه لا يتقدمه الملك ; لأن ما له من الحق كاف لصحة الاستيلاد لما نذكره . [ ص: 57 ] قال : ( وقيمة ولدها ) ; لأنه في معنى المغرور حيث إنه اعتمد دليلا وهو أنه كسب كسبه فلم يرض برقه فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه ( ولا تصير الجارية أم ولد له ) ; لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في ولد المغرور ( وإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت ) ; لما بينا أنه لا بد من تصديقه ( فلو ملكه يوما ثبت نسبه منه ) ; لقيام الموجب وزوال حق المكاتب إذ هو المانع ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


( قوله : وإذا وطئ المولى جارية مكاتبه فجاءت بولد فادعاه فإن صدقه المكاتب يثبت نسب الولد منه ) ، وإن كذبه لا يثبت نسب الولد ، لكن إذا ملكه يوما من الدهر فحينئذ يثبت نسبه منه لما سيذكر . ( وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يعتبر تصديقه بل يثبت ) نسبه منه بمجرد دعوته غير مفتقر إلى تصديقه ، وقوله وهذا قول سائر العلماء اعتبارا بالأب يدعي ولد جارية ابنه بجامع أن الموطوءة كسب كسب المدعي ، أو بطريق أولى ; لأن للمولى في المكاتب ملك رقبته وهو مقتض لحقيقة ملك كسبه ، وإن لم يكن له فيه ملك كان له فيه حق الملك ، وليس للوالد ملك حقيقة في رقبة ولده بل له حق التملك بماله عند الحاجة وحق الملك أقوى من حق التملك ، فلما ثبت نسب ولد جارية الابن من الأب بمجرد دعوته من غير افتقار إلى تصديقه فالثبوت من المولى أولى . ( ووجه الظاهر : وهو الفرق ) بين جارية الابن وجارية المكاتب ( أن المولى لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه ) بسبب حجره نفسه عن ذلك بعقد الكتابة حتى لا يثبت له حق تملكه ( والأب يملك تملكه ) لحاجته على ما عرف ( فلا معتبر بتصديقه ) وهذا بخلاف الوارث يستولد أمة من تركة مستغرقة بالدين يصح بلا تصديق أحد ; لأنه صاحب حق حتى ملك استخلاص ما يشاء من [ ص: 56 ] التركة بإعطاء قيمته فليس أحد أحق منه ليحتاج إلى تصديقه .

بخلاف البائع يدعي ولد المبيعة بعد البيع يصح لاتصال العلوق بملكه ووجب للولد حق العتق فلم يبطل باعتراض البيع . وهاهنا إن حصل العلوق في ملك المولى لرقبة المكاتب لكن لم يحصل في ملكه للجارية ملكا خالصا . واعترض بأنه لا معنى لاشتراط التصديق ; لأنه إذا لوحظ حجر المولى عن التصرف في مال المكاتب فتصديقه لا يوجب فك الحجر ، بل غايته أنه اعترف له أنه وطئ الجارية فيقضى أن لا يثبت النسب إذ لم يرتفع به المانع من ثبوته ، ألا ترى أنه لو أقام البينة على أنه وطئها لا يثبت نسبه إذا كان مكذبا له مع أن الثابت بالبينة أقوى من التصديق فظهر ضعف اشتراط التصديق . وقد يجاب بأن هذا الحجر لحق آدمي لكونه هو أحق بالدعوى فلا يظهر حقه في الاستلحاق في مقابلة من هو أحق به منه إلا أن يصدقه ; لجواز أن يكذبه بأن يدعيه هو فلا بد من استعلام تصديقه وتكذيبه ، بخلاف ما إذا أقام بينة على الوطء فإن تكذيبه قائم ، واختبار التصديق ليس لاستعلام الوطء قطعا بل تقديما للأحق على غيره ، بخلاف أحد الشريكين إذا استلحق فإنه لا يتوقف على تصديق الآخر ; لأنه ليس أحدهما أحق من الآخر . ( قوله : وعليه عقرها ) للمكاتب ( لأنه ) أي ; لأن وطأه المدلول عليه بقوله فإذا وطئ المولى لا يتقدمه الملك ; لأن ما له من الحق : أي حق الملك كاف لصحة الاستيلاد لما نذكره : يعني من قوله عقيبة أنه كسب كسبه .

بخلاف الأب فإنه ليس له حق ملك في الجارية فيتقدم ملكه إياها ; لتصحيح الاستيلاد فلا يجب العقر ; لأنه وطئ أمة نفسه ، وإذا وجب لنفس المكاتبة العقر إذا وطئها المولى مع ثبوت حقيقة ملكه فيها فلأن يجب بوطء أمتها أولى ، وأبعد شارح فقال : أي لما نذكره في كتاب المكاتب من أنه يثبت للمولى في ذمة المكاتب حق مع أن مجرد ثبوت حق في ذمة [ ص: 57 ] سيد أمة لا يصحح استيلاد صاحب الدين فلقد تناوله من مكان بعيد وهو أقرب إليه من حبل الوريد . ( قوله : وقيمة ولدها ) عطف على عقرها : أي وعليه قيمة الولد ( لأنه في معنى المغرور حيث اعتمد دليلا وهو أنه ) أي الجارية بتأويل الشخص ( كسب كسبه فلم يرض برقه ) حيث اعتمد دليلا يوجب حريته ( فيكون حرا بالقيمة ثابت النسب منه ) كما أن المغرور بشراء أمة استولدها فاستحقت اعتمد دليلا هو البيع فجعل عذرا في حرية الولد بالقيمة إلا أن قيمة الولد هنا تعتبر يوم ولد ، وقيمة ولد المغرور يوم الخصومة .

والفرق أن العلوق هنا حصل في ملك لمولى وهو مقتض ثبوت نسبه بحق ملكه لمالكها إنه محجور بحجر شرعي عنها فشرط تصديقه ، فإذا جاء التصديق صحت الدعوى وثبت له حق التملك بالقيمة فوجب اعتبارها في أقرب أوقات الإمكان ، وأما المغرور فضمانه قيمة الولد ; لأنه أمانة حبسها عن صاحبها تقديرا فتعتبر القيمة يوم الحبس ، وتحقق هذا الحبس والمنع إنما يكون يوم الخصومة فيعتبر يومها .

( ثم لا تصير الجارية أم ولد ; لأنه لا ملك له فيها حقيقة كما في أم ولد المغرور ) المبيعة المستحقة لا تكون أم ولد له ، ولا تناقض بين قوله لا تصير أم ولد وبين قوله إن ما له من الحق يكفي لصحة الاستيلاد ; لأن المراد من الاستيلاد استلحاق الولد كما قررناه أول الباب وصحته بثبوت نسب الولد منه ، وأما ثبوت أمومية الولد للأم فإنما هو لازم في بعض الصور وهو أكثرها دون بعض وليس عينا ليلزم نفي ما أثبته ، ثم إذا ملك هذه الجارية يوما من الدهر صارت أم ولد له ; لأنه ملكها وله منها ولد ثابت النسب ( قوله : وإن كذبه المكاتب في النسب لم يثبت نسبه من المولى لما بينا ) أي من أنه لا يملك التصرف في أكساب مكاتبه ( فلو ملكه ) أي لو ملك الولد ( يوما ) من الدهر ( ثبت نسبه منه ) وكان ولدا له ( لقيام الموجب ) وهو إقراره بالاستيلاد ، وزوال المانع وهو حق المكاتب [ ص: 58 ] فروع ] رجل فجر بأمة فولدت ثم اشتراها لا تصير أم ولد له استحسانا ، وإن اشترى الولد عتق الولد عليه . وفي المحيط : يجوز إعتاق أم الولد وكتابتها لتعجيل الحرية ، وكذا تدبيرها لأنه لا يفيد . وفي جوامع الفقه : استولد مدبرته بطل التدبير وتعتق من جميع المال ولا تسعى في دين .

وفي الكافي : أمة بين رجلين قالا في صحتهما هي أم ولد أحدنا ثم مات أحدهما يؤمر الحي بالبيان دون الورثة لأنه يخبر عن نفسه والورثة تخبر بفعل غيرهم ، فإن قال الحي هي أم ولدي فهي أم ولده ويضمن نصف قيمتها ولا يضمن من العقر شيئا لأنه لما أقر بوطئها بعد ملكها فلعله استولدها بنكاح قبل ، ولو قال هي أم ولد الميت عتقت صدقته الورثة أو كذبته لأنه إن صدق فهي حرة ، وإن كذب فكذلك لإقراره بعتقها بموته ، ولا سعاية للحي لأنه يدعي الضمان إن كذبوه في إقراره ، وإن صدقوه فقد أقروا بعدم السعاية ، والله الموفق .




الخدمات العلمية