الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          267 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا حد لأقل الطهر ولا لأكثره ، فقد يتصل الطهر باقي عمر [ ص: 411 ] المرأة فلا تحيض بلا خلاف من أحد مع المشاهدة لذلك ، وقد ترى الطهر ساعة وأكثر بالمشاهدة .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : لا يكون طهر أقل من خمسة عشر يوما .

                                                                                                                                                                                          وقال بعض المتأخرين : لا يكون طهر أقل من تسعة عشر يوما .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : الأيام الثلاثة والأربعة والخمسة بين الحيضتين ليس طهرا وكل ذلك حيض واحد ، وقال الشافعي في أحد أقواله كقول أبي حنيفة ، والثاني أنه لا حد لأقل الطهر ، وهو قول أصحابنا ، وهو قول ابن عباس كما أوردنا قبل ، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          فأما من قال لا يكون طهر أقل من خمسة عشر يوما فما نعلم لهم حجة يشتغل بها أصلا ، وأما من قال : لا يكون طهر أقل من تسعة عشر يوما فإنهم احتجوا فقالوا : إن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء للتي تحيض وجعل للتي لا تحيض ثلاثة أشهر ، قالوا : فصح أن بإزاء كل حيض وطهر شهرا ، فلا يكون حيض وطهر في أقل من شهر .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذا لا حجة فيه ، لأنه قول لم يقله الله تعالى فناسبه إلى الله تعالى كاذب ، نعني أن الله تعالى لم يقل قط إني جعلت بإزاء كل حيضة وطهر شهرا ، بل لا يختلف اثنان من المسلمين في أن هذا باطل ، لأننا وهم لا نختلف في امرأة تحيض في كل شهرين مرة أو في كل ثلاثة أشهر مرة ، فإنها تتربص حتى تتم لها ثلاثة قروء ، ولا بد ، فظهر كذب من قال : إن الله تعالى جعل بدل كل حيضة وطهر شهرا ، بل قد وجدنا العدة تنقضي في ساعة بوضع الحمل ، فبطل كل هذر أتوا به وكل ظن كاذب شرعوا به الدين .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك فظاهر الخطأ أيضا ، لأنه لم يجعل خمسة أيام بين الحيضتين طهرا وهو يأمرها فيه بالصلاة وبالصوم ويبيح وطأها لزوجها ، فكيف لا يكون طهرا ما هذه صفته ؟ وكيف لا يعد اليوم وأقل منه حيضا وهو يأمرها فيه بالفطر في رمضان وبترك الصلاة ؟ وهذه أقوال يغني ذكرها عن تكلف فسادها ، ولا يعرف لشيء منها قائل من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : فإنكم ترون العدة تنقضي في يوم أو في يومين على قولكم ؟ قلنا نعم ، فكان ماذا ؟ وأين منع الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من هذا ؟ وأنتم أصحاب قياس بزعمكم وقد أريناكم العدة تنقضي في أقل من ساعة فما أنكرتم من ذلك ؟ [ ص: 412 ] فإن قالوا : إن هذا لا يؤمن معه أن تكون حاملا ، قلنا لهم : ليست العدة للبراءة من الحمل ، لبراهين : أول ذلك : أنه منكم دعوى كاذبة لم يأت بها نص ولا إجماع ، والثاني : أن العدة عندنا وعندكم تلزم العجوز ابنة المائة عام ، ونحن على يقين من أنها لا حمل بها ، والثالث : أن العدة تلزم الصغيرة التي لا تحمل ، والرابع : أنها تلزم من العقيم ، والخامس : أنها تلزم من الخصي ما بقي له ما يولجه ، والسادس : أنها تلزم العاقر ، والسابع : أنها تلزم من وطئ مرة ثم غاب إلى الهند وأقام هنالك عشرين سنة ثم طلقها ، وكل هؤلاء نحن على يقين من أنها لا حمل بها ، والثامن : أنه لو كانت من أجل الحمل لكانت حيضة واحدة تبرئ من ذلك ، والتاسع : أنها تلزم المطلقة إثر نفاسها ولا حمل بها ، والعاشر : أن المكيين بالضد منهم ، قالوا : لا تصدق المرأة في أن عدتها انقضت في أقل من ثلاثة أشهر ، وتصدق في ثلاثة أشهر ، وقال أبو حنيفة : لا تصدق المرأة في أن عدتها انقضت في أقل من ستين يوما ، وتصدق في الستين ، وقال محمد بن الحسن : تصدق في أربعة وخمسين يوما لا في أقل ، وقال مالك : تصدق في أربعين يوما لا في أقل .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو يوسف : تصدق في تسعة وثلاثين يوما لا أقل ، وقال الشافعي : تصدق في ثلاثة وثلاثين يوما لا أقل .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وكل هذه المدد التي بنوها على أصولهم لا يؤمن مع انقضاء وجود الحمل ، فهم أول من أبطل علتهم ، وكذب دليلهم ، ولا يجوز ألبتة أن يؤمن الحمل إلا بعد انقضاء أزيد من أربعة أشهر ، فكيف وهم المحتاطون بزعمهم للحمل وهم يصدقون قولها ، ولو أنها أفسق البرية وأكذبهم في هذه المدد ، أما نحن فلا نصدقها إلا ببينة من أربع قوابل عدول عالمات ، فظهر من المحتاط للحمل ، لا سيما مع قول أكثرهم : أن الحامل تحيض ، فهذا يبطل قول من قال منهم : إن العدة وضعت لبراءة الرحم من الحمل ، وقد روينا عن هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي : أن علي بن أبي طالب أتي برجل طلق امرأته فحاضت ثلاث حيض في شهر أو خمس وثلاثين ليلة ، فقال علي لشريح اقض فيها ؟ قال إن جاءت بالبينة من النساء العدول من بطانة أهلها ممن يرضى صدقه وعدله أنها رأت ما يحرم عليها الصلاة من الطمث الذي هو الطمث وتغتسل عند كل قرء وتصلي فقد انقضت عدتها وإلا فهي كاذبة ، قال علي بن أبي طالب " قالون " معناها أصبت .

                                                                                                                                                                                          قال علي بن أحمد : وهذا نص قولنا ، وروى عنه محمد بن سيرين أنه سئل : [ ص: 413 ] أيكون طهرا خمسة أيام ؟ قال : النساء أعلم بذلك . قال علي : لا يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف قول علي بن أبي طالب وابن عباس وهو قولنا وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          والنفاس والحيض سواء في كل شيء وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية