الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة التاسعة : قوله تعالى : { فإن فاءوا } : والمعنى : إن رجعوا ، والرجوع لا يكون إلا عن مرجوع عنه ، وقد كان تقدم منه يمين واعتقاد ; فأما اليمين فيكون الرجوع عنها بالكفارة ، لأنها تحلها ، وأما الاعتقاد فيكون الرجوع عنه بالفعل ; لأن اعتقاده مستتر لا يظهر إلا بما يكشف عنه من فعل [ ص: 246 ] يتبين به ; كحل اليمين بالكفارة أو إتيان ما امتنع منه ; فأما مجرد قوله : رجعت فلا يعد فيئا ; وإذا ثبت هذا التحقيق فلا معنى بعده لقول إبراهيم وأبي قلابة : إن الفيء قوله رجعت .

                                                                                                                                                                                                              أما أنه تبقى هنا نكتة وهي أن يحلف فيقول : والله لقد رجعت فهل تنحل اليمين التي قبلها أم لا ؟ قلنا : لا يكون فيئا ، لأن هذه اليمين توجب كفارة أخرى في الذمة ، وتجتمع مع اليمين الأول ، ولا يرفع الشيء إلا بما يضاده وهذا تحقيق بالغ .

                                                                                                                                                                                                              المسألة العاشرة : إذا كان ذا عذر من مرض أو مغيب فقوله : رجعت فيء ; قاله الحسن وعكرمة .

                                                                                                                                                                                                              وقال مالك : يقال له كفر أو أوقع ما حلفت عليه ; فإن فعل ، وإلا طلقت عليه .

                                                                                                                                                                                                              وعن ابن القاسم أنه يكفي في اليمين بالله قوله : رجعت ، ثم إذا أمكنه الوطء ، فلم يطأ طلق عليه ، ولو كفر ثم أمكنه الوطء لزوال العذر لم تطلق عليه .

                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : تستأنف له المدة إذا انقضت ، وهو مغيب أو مريض ثم زال عذره .

                                                                                                                                                                                                              قلنا لأبي حنيفة : لا تستأنف له مدة ; لأن هذا العذر لا يمنعه عن الكفارة ; فإن كان فعلا لا يقدر عليه إلا بالخروج فيفعله عند خروجه . وقد بيناها في كتاب " المسائل " مستوفاة الحجج .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الحادية عشرة : إذا ترك الوطء مضارا بغير يمين فلا تظهر فيئته عندنا إلا بالفعل ، لأن اعتقاد الكراهة قد ظهر بالامتناع ، فلا يظهر اعتقاده للإرادة إلا بالإقدام ; وهذا تحقيق بالغ .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية