الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قوله ( : لا بأجنبية زفت وقيل هي زوجتك ) أي لا يحد بوطء أجنبية زفت إليه وقال النساء : هي زوجتك قضى بذلك علي رضي الله عنه ولأنه اعتمد دليلا وهو الإخبار في موضع الاشتباه إذ الإنسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها في أول الوهلة فصار كالمغرور ولكن لا يحد قاذفه ; لأن الملك منعدم حقيقة فبطل به إحصانه كوطء جارية ابنه ، فإنه مسقط لإحصانه حبلت أو لا وظاهر كلام المصنف أن إخبار واحدة له بأنها زوجته يكفي لإسقاط الحد عنه كما يفيده ما في فتح القدير لكن عبارة القدوري وقلن النساء بالجمع ، والظاهر أنه ليس بشرط كما سنبينه ; لأنه من المعاملات ، والواحد فيها يكفي . ا هـ . [ ص: 16 ]

                                                                                        قوله ( وعليه مهر ) بذلك قضى علي رضي الله عنه وبالعدة ; لأن الوطء في دار الإسلام لا يخلو عن الحد أو المهر وقد سقط الحد فتعين المهر وهو مهر المثل ولهذا قلنا في كل موضع سقط فيه الحد مما ذكرنا يجب فيه المهر لما ذكرنا إلا في وطء جارية الابن وقد علقت منه وادعى نسبه لما ذكرنا في النكاح أو في وطء البائع المبيعة قبل التسليم ذكرها في الزيادات وينبغي أن لا تجب بوطء جارية السيد ; لأن المولى لا يجب له دين على عبده ولو قيل وجب ثم سقط فمستقيم على ما اختلفوا في تزويج المولى عبده بجاريته كذا في التبيين ولا يرد ما لو زنى صبي بامرأة بالغة مطاوعة قالوا لا حد على الصبي ولا مهر عليه لإسقاطها حقها حيث مكنته ; لأن المهر وجب لكنه سقط لما ذكرنا فلم يخل وطء عنهما وفي المجتبى مراهق تزوج بالغة بغير إذن أبيه ووطئها ورد الأب النكاح فلا مهر على الصبي ; لأن قوله غير معتبر وأراد المصنف أن يكون المهر لها عليه بذلك قضى علي رضي الله عنه خلافا لعمر رضي الله عنه حيث جعله في بيت المال كأنه جعله حق الشرع لما أن الحد حق له وهذا كالعوض عنه ، والمختار قول علي رضي الله عنه ; لأن الوطء كالجناية عليها وأرش الجنايات للمجني عليه ولو كان عوضا عن الحد لوجب على المرأة ; لأن الحد ساقط عنها ولم يذكر المصنف ثبوت النسب فيها وقالوا يثبت نسب الولد بالدعوة لكن اختلفوا ففي التبيين أنه يثبت النسب ، وإن كانت شبهة الاشتباه لعدم الملك وشبهته .

                                                                                        وفي فتح القدير ، والأوجه أنها شبهة دليل ، فإن قول النساء هي زوجتك دليل شرعي مبيح للوطء ، فإن قول الواحد مقبول في المعاملات ولذا حل وطء الأمة إذا جاءت إلى رجل وقالت مولاي أرسلني إليك هدية ، فإذا كان دليلا غير صحيح في الواقع أوجب الشبهة التي يثبت معها النسب ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وظاهر كلام المصنف إلخ ) أقول : ظاهر هذا أنه لا بد من الإخبار وأنه لا يكفي مجرد زفافها إليه لكن عبارة الحاكم الشهيد في الكافي تفيد عدم اشتراطه حيث قال رجل تزوج امرأة فزفت إليه أخرى فوطئها قال لا حد عليه ولا على قاذفه ثم علله بأن الزفاف شبهة ولذا لو جاءت بولد ثبت نسبه منه ا هـ .

                                                                                        فجعل الشبهة نفس الزفاف ولعل هذا رواية أخرى وعليها مشى في الخانية أيضا ويكون ما في المتون رواية غيرها وينبغي على الثانية أن من زفت إليه زوجته ولم يكن رآها أنه لا يحل له وطؤها ما لم تقل له النساء هذه زوجتك لاحتمال أنها تكون غيرها وفي ذلك حرج ، فإنه لا يكاد أحد يفعله الآن فيلزم تأثيم الناس على أن احتمال كونها غيرها احتمال ضعيف ربما لا يقع في سنين عديدة إلا نادرا ولا سيما إذا كانت في بيته ليلة الزفاف واجتمع عليها أهله وأقاربه وغيرهن وزينوها وأفردوها في محل مخصوص ثم أدخلت عليه ، فإن احتمال كونها غيرها أبعد ما يكون فوجوب السؤال بعيد أيضا .

                                                                                        والظاهر أنه يكفي مجرد زفافها عملا بهذا الظاهر بل هو أقوى مما لو جاءت بها امرأة من بيت أهلها ثم أدخلتها عليه وقالت له هذه زوجتك ، فإنه يحتمل كذبها . [ ص: 16 ] ( قوله : حيث جعله في بيت المال ) أي يؤخذ من الواطئ ويوضع في بيت المال ( قوله : وفي فتح القدير والأوجه إلخ ) أقول : ذكر في الفتح بعد هذا بأسطر ما نصه .

                                                                                        والحاصل أنه لو اعتبر شبهة اشتباه أشكل عليه ثبوت النسب وأطلقوا أن فيها لا يثبت النسب ، وإن اعتبر شبهة محل اقتضى أنه لو قال علمتها حراما علي لعلمي بكذب النساء لا يحد ويحد قاذفه والحق أنه شبهة اشتباه لانعدام الملك من كل وجه وكون الإخبار يطلق الجماع شرعا ليس هو الدليل المعتبر في شبهة المحل ; لأن الدليل المعتبر فيه هو ما مقتضاه ثبوت الملك نحو { أنت ومالك لأبيك } والملك القائم للشريك لا ما يطلق شرعا مجرد الفعل غير أنه يستثنى من الحكم المرتب عليه أعني عدم ثبوت النسب للإجماع فيه وبهذه والمعتدة ظهر عدم انضباط ما مهدوه من أحكام الشبهتين ا هـ .

                                                                                        وعلى هذا مشى المؤلف أولا فكان عليه أن يذكر كلام الفتح هذا ولا يقتصر على ما ذكره .




                                                                                        الخدمات العلمية