الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ القول في تأويل قوله تعالى : ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ( 33 ) )

قال أبو جعفر : وهذا الخبر من الله يدل على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه ، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه ، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ; لأنها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك ، كان محالا أن يقول : ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) ، وهو لا يدعى إلى شيء ، ولا يخوف بحبس .

و " السجن " هو الحبس نفسه ، وهو بيت الحبس .

وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها . والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال . فتقول : " طلعت الشمس مطلعا ، وغربت مغربا " ، [ ص: 88 ] فيجعلونها ، وهي أسماء ، خلفا من المصادر ، فكذلك " السجن " ، فإذا فتحت السين من " السجن " كان مصدرا صحيحا .

وقد ذكر عن بعض المتقدمين أنه يقرأه : " السجن أحب إلي " ، بفتح السين . ولا أستجيز القراءة بذلك ، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها .

قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : قال يوسف : يا رب ، الحبس في السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من معصيتك ، ويراودنني عليه من الفاحشة ، كما : -

19246 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) : من الزنا .

19247 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف ، وأضاف إلى ربه ، واستغاثه على ما نزل به ( رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) ، أي : السجن أحب إلي من أن آتي ما تكره .

وقوله : ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن ) ، يقول : وإن لم تدفع عني ، يا رب ، فعلهن الذي يفعلن بي ، في مراودتهن إياي على أنفسهن " أصب إليهن " ، يقول : أمل إليهن ، وأتابعهن على ما يردن مني ويهوين .

من قول القائل : " صبا فلان إلى كذا " ، ومنه قول الشاعر : [ ص: 89 ]


إلى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبي



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19248 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( أصب إليهن ) ، يقول : أتابعهن .

19249 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( وإلا تصرف عني كيدهن ) ، أي : ما أتخوف منهن ( أصب إليهن ) .

19250 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) ، قال : إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن مني ولا عندي .

وقوله : ( وأكن من الجاهلين ) ، يقول : وأكن بصبوتي إليهن ، من الذين جهلوا حقك ، وخالفوا أمرك ونهيك ، كما : -

19251 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( وأكن من الجاهلين ) ، أي : جاهلا إذا ركبت معصيتك .

التالي السابق


الخدمات العلمية