الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          268 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          ولا حد لأقل النفاس ، وأما أكثره فسبعة أيام لا مزيد . قال أبو محمد : ولم يختلف أحد في أن دم النفاس إن كان دفعة ثم انقطع الدم ولم يعاودها فإنها تصوم وتصلي ويأتيها زوجها ، وقال أبو يوسف : إن عاودها دم في الأربعين يوما فهو دم نفاس ، وقال محمد بن الحسن .

                                                                                                                                                                                          إن عاودها بعد الخمسة عشر يوما فليس دم نفاس .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وهذه حدود لم يأذن الله تعالى بها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل .

                                                                                                                                                                                          وأما أكثر النفاس فإن مالكا قال مرة : ستون يوما ، ثم رجع عن ذلك ، وهو قول الشافعي ، وقال مالك : النساء أعلم ، وقال أبو حنيفة : أكثر النفاس أربعون يوما .

                                                                                                                                                                                          فأما من حد ستين يوما فما نعلم لهم حجة ، وأما من قال أربعون يوما فإنهم ذكروا روايات عن أم سلمة من طريق مسة الأزدية وهي مجهولة ، ورواية عن عمر من طريق جابر الجعفي ، وهو كذاب ، ورواية عن عائذ بن عمرو أن امرأته رأت الطهر بعد عشرين يوما ، فاغتسلت ودخلت معه في لحافه ، فضربها برجله وقال : لا تغضي من ديني حتى تمضي الأربعون ، وهم لا يقولون بهذا ، ولا أسوأ حالا ممن يحتج بما لا يراه حجة ، وهو أيضا عن الجلد بن أيوب وليس بالقوي .

                                                                                                                                                                                          وعن الحسن عن عثمان بن أبي العاص مثله ، وعن جابر عن خيثمة عن أنس بن مالك ، وعن وكيع عن أبي عوانة عن جعفر بن إياس عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس : تنتظر النفساء نحوا من أربعين يوما .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ونذكر ما خالفوا فيه الصاحب ، والصحابة لا يعرف لهم منهم مخالفون ، وأقرب ذلك ما ذكرناه في المسألة المتصلة بهذه من أقل الطهر ، فإنهم خالفوا فيه ابن عباس ، ولا مخالف له من الصحابة أصلا ولقد يلزم المالكيين والشافعيين المشنعين بخلاف الصاحب الذي [ ص: 414 ] لا يعرف له من الصحابة مخالف ، أن يقولوا بما روي ههنا عمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فلما لم يأت في أكثر مدة النفاس نص قرآن ولا سنة وكان الله تعالى قد فرض عليها الصلاة والصيام بيقين وأباح وطأها لزوجها ، لم يجز لها أن تمتنع من ذلك إلا حيث تمتنع بدم الحيض لأنه دم حيض .

                                                                                                                                                                                          وقد حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن جابر عن الضحاك بن مزاحم قال : تنتظر إذا ولدت سبع ليال أو أربع عشرة ليلة ثم تغتسل وتصلي .

                                                                                                                                                                                          قاله جابر .

                                                                                                                                                                                          وقال الشعبي : تنتظر أقصى ما تنتظر امرأة وبه إلى عبد الرزاق عن معمر وابن جريج .

                                                                                                                                                                                          قال معمر عن قتادة .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن جريج عن عطاء ثم اتفق قتادة وعطاء : تنتظر البكر إذا ولدت كامرأة من نسائها ، قال عبد الرزاق : وبهذا يقول سفيان الثوري .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وقال الأوزاعي عن أهل دمشق : تنتظر النفساء من الغلام ثلاثين ليلة ومن الجارية أربعين ليلة .

                                                                                                                                                                                          قال علي : إن كان خلاف الطائفة من الصحابة رضي الله عنهم - لا يعرف لهم مخالف - خلافا للإجماع ، فقد حصل في هذه المسألة في خلاف الإجماع الشعبي وعطاء وقتادة ومالك وسفيان الثوري والشافعي ، إلا أنهم حدوا حدودا لا يدل على شيء منها قرآن ولا سنة ولا إجماع ، وأما نحن فلا نقول إلا بما أجمع عليه ، من أنه دم يمنع مما يمنع منه الحيض ، فهو حيض .

                                                                                                                                                                                          وقد حدثنا حمام ثنا يحيى بن مالك بن عائذ ثنا أبو الحسن عبيد الله بن أبي غسان ثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي ثنا أبو سعيد الأشج ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلام بن سليمان المدائني عن حميد عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { أكثر النفاس أربعون يوما } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : سلام بن سليمان ضعيف منكر الحديث .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : أقل أمد النفاس خمسة وعشرون يوما . وقال أبو يوسف أقل أمد النفاس أحد عشر يوما . [ ص: 415 ]

                                                                                                                                                                                          وقال أبو محمد : هذان حدان لم يأذن الله تعالى بهما ، والعجب ممن يحد مثل هذا برأيه ولا ينكره على نفسه ، ثم ينكر على من وقف عندما أوجبه الله تعالى في القرآن ورسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع عليه المسلمون إجماعا متيقنا والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ثم رجعنا إلى ما ذكرنا قبل من أن دم النفاس هو حيض صحيح ، وأمده أمد الحيض وحكمه في كل شيء حكم الحيض ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها { أنفست } بمعنى حضت فهما شيء واحد ، ولقوله عليه السلام في الدم الأسود ما قال من اجتناب الصلاة إذا جاء ، وهم يقولون بالقياس ، وقد حكموا لهما بحكم واحد في تحريم الوطء والصلاة والصوم وغير ذلك ، فيلزمهم أن يجعلوا أمدهما واحدا . وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية