الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو آلى من مبانته أو أجنبية نكحها بعده ) أي بعد الإيلاء ولم يضفه للملك كما مر ( لا ) يصح لفوات محله ولو وطئها كفر لبقاء اليمين ، ولو آلى فأبانها إن مضت مدته وهي في العدة بانت بأخرى وإلا لا خانية .

( عجز ) عجزا حقيقيا لا حكميا كإحرام لكونه باختياره ( عن وطئها لمرض بأحدهما [ ص: 432 ] أو صغرها ، أو رتقها ) ، أو جبه ، أو عنته ( أو بمسافة لا يقدر على قطعها في مدة الإيلاء ، أو لحبسه ) إذا لم يقدر على وطئها في السجن كما في البحر عن الغاية ، وقوله ( لا بحق ) لم أره لغيره فليراجع ، وكذا حبسها ونشوزها ففيؤه ( نحو ) قوله بلسانه ( فئت إليها ) أو راجعتك ، أو أبطلت الإيلاء أو رجعت عما قلت ، ونحوه لأنه آذاها بالمنع فيرضيها بالوعد ( فإن ) قدر على الجماع في المدة ففيؤه ( الوطء في الفرج ) لأنه الأصل ( فإن وطئ في غيره ) كدبر ( لا ) يكون فيئا ، ومفاده [ ص: 433 ] اشتراط دوام العجز من وقت الإيلاء إلى مضي مدته ، وبه صرح في الملتقى . وفي الحاوي : آلى وهو صحيح ثم مرض لم يكن فيؤه إلا الجماع . وبقي شرط ثالث ذكره في البدائع ، وهو قيام النكاح وقت الفيء باللسان ، فلو أبانها ثم فاء بلسانه بقي الإيلاء .

التالي السابق


( قوله : من مبانته ) أي بثلاث ، أو ببائن نهر ( قوله : نكحها ) أي الأجنبية بعده ، فلو مضى أربعة أشهر وهي في نكاحه ولم يقربها لم تبن . وأما لو نكح المبانة فنذكره قريبا عن الخانية ( قوله : ولم يضفه للملك ) أما إذا أضافه بأن قال : إن تزوجتك فوالله لا أقربك كان موليا ط ( قوله : كما مر ) في شرح قول المصنف وشرطه محلية المرأة ط ( قوله : لفوات محله ) لأن شرطه محلية المرأة بكونها منكوحة وقت تنجيز الإيلاء كما قدمه المصنف ( قوله : لبقاء اليمين ) أي في حق وجوب الكفارة عند الحنث لأن انعقاد اليمين يعتمد التصور حسا لا شرعا ، ألا ترى أنها تنعقد على ما هو معصية فتح .

( قوله : ولو آلى ) أي من زوجته فأبانها بعده صح ، أشار به إلى أن بقاء النكاح بعده غير شرط ( قوله : وإلا لا ) أي وإن لم تمض المدة في العدة بل بعدها لا تبين . وفي الخانية أيضا إن تزوجها قبل انقضاء العدة كان الإيلاء على حاله ، حتى لو تمت أربعة أشهر من وقت الإيلاء بانت بأخرى ، وإن تزوجها بعد انقضاء العدة كان موليا ، وتعتبر مدته من وقت التزوج ( قوله : عجز عن وطئها ) ظاهر صنيعه أن العجز حدث بعد الإيلاء مع أنه يشترط في العجز دوامه من وقت الإيلاء إلى مضي مدته كما يأتي التصريح به ، فالمراد به العجز القائم لا العارض ، ثم رأيت في الهندية عن الفتح : هذا إذا كان عاجزا من وقت الإيلاء إلى مضي أربعة أشهر إلخ . ثم قال : وإن كان الإيلاء معلقا بالشرط فإنه تعتبر الصحة والمرض في حق جواز الفيء باللسان حال وجود الشرط لا حالة التعليق . ا هـ . ( قوله : عجزا حقيقيا ) بأن لا يكون المانع عن الوطء شرعيا فإنه لو كان شرعيا يكون قادرا عليه حقيقة عاجزا عن حكمه كما في البدائع ( قوله : لا حكميا كإحرام ) أي كما إذا آلى من امرأته وهي محرمة ، أو هو محرم وبينهما وبين الحج أربعة أشهر ، فإن فيأه لا يصح إلا بالفعل وإن كان عاصيا في فعله كذا في التتارخانية عن شرح الطحاوي . وعلله في الفتح والبحر بأنه المتسبب باختياره بطريق محظور فيما لزمه فلا يستحق تخفيفا . ا هـ . وقوله : فيما لزمه : أي من وقوع الطلاق ، وهو متعلق بالمتسبب ، والطريق المحظور هو الإيلاء فإنه فعله باختياره ، فكان متسببا فيما لزمه به مع قدرته على الجماع حقيقة فصار ظالما بمنع حقها وهو حق عبد فلا يسقط وإن عجز عنه حكما بسبب الإحرام ، ولا يكون عجزه الحكمي سببا للتخفيف بالفيء باللسان لأنه بمباشرته المحظور لم يستحق التخفيف ، وإنما استحقه في العجز الحقيقي لأنه لا تكليف بما لا يطاق ، فصار كالعاصي بسفره عن الماء يباح له التيمم ، هذا ما ظهر لي ( قوله : لكونه باختياره ) أي لكون الإيلاء له لا الإحرام كما ظهر لك مما قررناه ولا سيما في صورة إحرام المرأة ، وهذا يؤكد ما قلنا من أن حيضتها غير مانع من صحة الإيلاء لأن غايته أنه مانع شرعي وإلا لزم أن لا يصح في مسألة .

[ ص: 432 ] الإحرام كما قدمناه ( قوله : أو صغرها ) أما صغره فهو مانع من صحة الإيلاء كما قدمناه ( قوله : أو رتقها ) رتقت المرأة من باب " تعب " فهي رتقاء : إذا انسد مدخل الذكر من فرجها ولا يستطاع جماعها مصباح ( قوله : أو جبه ، أو عنته ) أي كونه مجبوبا ، أو عنينا ( قوله : أو بمسافة إلخ ) عطف على قوله لمرض ( قوله : في مدة الإيلاء ) أي أربعة أشهر ، أو أكثر كما صرح به في الفتح وكافي الحاكم الشهيد وقال : وإن كان أقل من أربعة أشهر لم يجز الفيء إلا بالجماع أي وإن منعه سلطان ، أو عدو و لأنه نادر على شرف الزوال كما في الفتح ( قوله : أو لحبسه إلخ ) قال في الفتح : واختلف في الحبس ، فصحح الفيء باللسان بسببه في البدائع ، وفي شرح الطحاوي خلافه وهو جواب الرواية نص عليه الحاكم في الكافي ، ووفق في البدائع بحمل ما في الكافي وشرح الطحاوي على إمكان الوصول إلى السجن بأن تدخل عليه فيجامعها والحبس بحق لا يعتبر في الفيء باللسان وبظلم يعتبر ا هـ فما ذكره الشارح هو التوفيق المذكور .

وأفاد في الفتح بقوله والحبس بحق إلخ أن هذا الخلاف والتوفيق إنما هو فيما إذا كان الحبس بظلم ، فلو بحق لا يعتبر أصلا لأنه قادر على الخروج منه بإيفاء الحق ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى توفيق آخر وعليه مشى المقدسي ( قوله : فليراجع ) قال ح راجعناه فرأيناه منقولا في الفتاوى الهندية عن غاية السروجي . قلت : ولقد أبعد في النجعة فإنه مذكور في الفتح كما سمعته ( قوله : وكذا حبسها ) أي سواء كان بحق ، أو بظلم لأن العذر إذا لم يكن منه لم يقدر على رفعه رحمتي ( قوله : ونشوزها ) قال في البحر : ودخل تحت العجز أن تكون ممتنعة منه وكانت في مكان لا يعرفه وهي ناشزة ، أو حال القاضي بينهما لشهادة الطلاق الثلاث للتزكية .

( قوله : ففيؤه إلخ ) أي المبطل للإيلاء في حق الطلاق ، أما في حق بقاء اليمين باعتبار الحنث فلا ، حتى لو وطئها بعد الفيء باللسان في مدة الإيلاء لزمه كفارة لتحقق الحنث بحر . لأن اليمين لا تنحل إلا بالحنث ، والحنث إنما يحصل بفعل المحلوف عليه والقول ليس محلوفا عليه فلا تنحل اليمين بدائع ( قوله : بلسانه ) قيد به لأن المريض الوفاء بقلبه لا بلسانه لا يعتبر بحر عن الخانية ، وقيل يعتبر إن صدقته والأول أوجه فتح ( قوله : ونحوه ) كرجعتك وارتجعتك ، فقول المصنف نحو قوله إلخ لبيان أن لفظ فئت غير قيد ، وقول الشارح هنا " ونحوه " لبيان أنه لم يستوف ألفاظه ، لأن المراد ما يدل على الفيء فافهم ( قوله : فإن قدر على الجماع إلخ ) شمل ما إذا كان قادرا وقت الإيلاء ثم عجز بشرط أن يمضي زمن يقدر على وطئها بعد الإيلاء ، وما إذا كان عاجزا وقته ثم قدر في المدة ، وقيد بكونه في المدة لأنه لو قدر عليه بعدها لا يبطل بحر ( قوله : لأنه الأصل ) أي واللسان خلفه ، وإذا قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل كالتيمم إذا رأى الماء في صلاته بحر ( قوله : فإن وطئ في غيره ) كذا إذا وطئها حال الحيض أو قبلها بشهوة ، أو لمسها ، أو نظر إلى فرجها بشهوة كما في الهندية ط . قلت : لكن الذي في الهندية خلاف ما نقله عنها في مسألة الحيض ، ونصها : المريض المولي إذا جامع امرأته فيما دون الفرج لا يكون ذلك فيئا منه ، وإن قربها في حال الحيض يكون فيئا كذا في الظهيرية ا هـ ويؤيده ما قدمناه عن التتارخانية من صحة الفيء بالوطء حالة الإحرام ، فإن المانع الشرعي موجود في كل منهما فافهم ( قوله : ومفاده إلخ ) .

[ ص: 433 ] أي مفاد قوله فإن قدر على الجماع إلخ أنه يشترط لصحة الفيء باللسان دوام العجز .

قلت : ومفاد هذا الشرط أنه لو زال العجز بطل الفيء باللسان وإن وجد في المدة عجز غيره ، لما في جامع الفصولين في طلاق المريض : إذا آلى مريض ثم مرضت امرأته قبل برئه ثم برئ وبقيت مريضة إلى مضي المدة ، فإن فيأه بجماع عندنا ، وعند زفر بلسانه .

لنا أنه اختلف سبب الرخصة إذ كلا المرضين يوجب جواز الفيء بلسانه واختلاف أسباب الرخصة يمنع الاحتساب بالرخصة الأولى على الثانية ، وتصير الأولى كأن لم تكن : كمسافر تيمم لعدم الماء ثم مرض مرضا يبيح له التيمم بانفراده ، كذا هنا مرض المرأة يبيح الفيء بلسانه فلا يبنى حكمه على مرض الزوج ا هـ وقد لخصالشارح هذه العبارة في باب التيمم ، لكن في الفتح والبدائع : ولو آلى إيلاء مؤبدا وهو مريض وبانت بمضي المدة ثم صح وتزوجها وهو مريض ففاء بلسانه لم يصح عندهما وصح عند أبي يوسف ، وهو الأصح على ما قالوا لأن الإيلاء وجد منه وهو مريض وعاد حكمه وهو مريض .

وفي زمان الصحة هي مبانة لا حق لها في الوطء فلا يعود حكم الإيلاء فيه . ولهما أنه إذا صح في المدة الثانية فقد قدر على الجماع حقيقة فسقط اعتبار الفيء باللسان في تلك المدة وإن كان لا يقدر على جماعها إلا بمعصية كما مر فيما إذا كان محرما ا هـ فهنا اختلف سبب الرخصة ولم يعتبر على قول أبي يوسف فتأمل ، ولعل الجواب أن اختلاف أسباب الرخصة إنما يمنع الاحتساب بالرخصة الأولى إذا اجتمع السببان في وقت واحد فإنه حينئذ يعتبر الأول ويلغو الثاني ، فإذا زال الأول لم يعتبر الثاني بعد الحكم بإلغائه ، بخلاف ما إذا وجد الثاني بعد زوال الأول فإن الثاني يعمل عمله لعدم ما يلغيه كما في المسألة الثانية ويدل على ذلك أنهم لم يعللوا قول الإمامين باختلاف أسباب الرخصة كما سمعت ، فاغتنم هذا التحرير فإنه مفرد ( قوله : وبه صرح في الملتقى ) قلت وكذا في البدائع ( قوله : وفي الحاوي إلخ ) من فروع الشرط المذكور كما في البدائع ( قوله : ثم مرض ) أي بعد مضي مدة من صحته يقدر فيها على الجماع ، فإن كان لا يقدر لقصرها ففيؤه بالقول لأنه ليس بمفرط في ترك الجماع فكان معذورا بدائع ( قوله : وبقي شرط ثالث ) أي زائد على ما مر من اشتراط العجز واشتراط دوامه ( قوله : وهو قيام النكاح ) بأن تكون زوجته غير بائنة منه بدائع ( قوله : بقي الإيلاء ) فإذا تزوجها ومضت المدة تبين منه ، لأن الفيء بالقول حال قيام النكاح إنما يرفع الإيلاء في حق حكم الطلاق لحصول إيفاء حقها به ولا حق لها حال البينونة ، بخلاف الفيء بالجماع فإنه يصح بعد ثبوت البينونة حتى لا يبقى الإيلاء بل يبطل ، لأنه حنث بالوطء فانحلت اليمين وبطلت ولم يوجد الحنث ، وههنا لا تنحل اليمين ولا يرتفع الإيلاء بدائع .




الخدمات العلمية