الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله :( ويذهب عنكم رجز الشيطان ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المراد منه الاحتلام لأن ذلك من وساوس الشيطان .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن الكفار لما نزلوا على الماء وسوس الشيطان إليهم وخوفهم من الهلاك ، فلما نزل المطر زالت تلك الوسوسة ، روي أنهم لما ناموا واحتلم أكثرهم تمثل لهم إبليس وقال : أنتم تزعمون أنكم على الحق وأنتم تصلون على الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحق لما غلبوكم على الماء ، فأنزل الله تعالى المطر حتى جرى الوادي واتخذ المسلمون حياضا واغتسلوا وتلبد الرمل حتى ثبتت عليه الأقدام .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن المراد من رجز الشيطان سائر ما يدعو الشيطان إليه من معصية وفساد .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : فأي هذه الوجوه الثلاثة أولى ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : قوله :( ليطهركم ) معناه ليزيل الجنابة عنكم ، فلو حملنا قوله :( ويذهب عنكم رجز الشيطان ) على الجنابة لزم منه التكرير وأنه خلاف الأصل ، ويمكن أن يجاب عنه فيقال : المراد من قوله :( ليطهركم ) حصول الطهارة الشرعية ، والمراد من قوله :( ويذهب عنكم رجز الشيطان ) إزالة جوهر المني عن أعضائهم فإنه شيء مستخبث ، ثم نقول : حمله على إزالة أثر الاحتلام أولى من حمله على إزالة الوسوسة ؛ وذلك لأن تأثير الماء في إزالة العين عن العضو تأثير حقيقي ، أما تأثيره في إزالة الوسوسة عن القلب فتأثير مجازي ، وحمل اللفظ على الحقيقة أولى من حمله على المجاز ، واعلم أنا إذا حملنا الآية على هذا الوجه لزم القطع بأن المني رجز الشيطان ، وذلك يوجب الحكم بكونه نجسا مطلقا لقوله تعالى :( والرجز فاهجر ) [المدثر : 5] .

                                                                                                                                                                                                                                            النوع الثالث : من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى :( وليربط على قلوبكم ) والمراد أن بسبب نزول هذا المطر قويت قلوبهم وزال الخوف والفزع عنهم ، ومعنى الربط في اللغة الشد ، وقد ذكرنا ذلك في قوله تعالى :( ورابطوا ) ويقال لكل من صبر على أمر ربط قلبه عليه ، كأنه حبس قلبه عن أن يضطرب ، يقال : رجل رابط أي حابس . قال الواحدي : ويشبه أن يكون( على ) ههنا صلة ، والمعنى وليربط قلوبكم بالنصر ، وما وقع من تفسيره يشبه أن لا يكون صلة لأن كلمة( على ) تفيد الاستعلاء ، فالمعنى أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها .

                                                                                                                                                                                                                                            والنوع الرابع : من النعم المذكورة ههنا قوله تعالى :( ويثبت به الأقدام ) وذكروا فيه وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن ذلك المطر لبد ذلك الرمل وصيره بحيث لا تغوص أرجلهم فيه ، فقدروا على المشي عليه كيف أرادوا ، ولولا هذا المطر لما قدروا عليه ، وعلى هذا التقدير فالضمير في قوله :( به ) عائد إلى المطر .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن المراد أن ربط قلوبهم أوجب ثبات أقدامهم ، لأن من كان قلبه ضعيفا فر ولم يقف ، فلما قوى الله تعالى قلوبهم لا جرم ثبت أقدامهم ، وعلى هذا التقدير فالضمير في قوله :( به ) عائد إلى الربط .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : روي أنه لما نزل المطر حصل للكافرين ضد ما حصل للمؤمنين ، وذلك لأن الموضع الذي نزل الكفار فيه كان موضع التراب والوحل ، فلما نزل المطر عظم الوحل ، فصار ذلك مانعا لهم من المشي كيفما أرادوا ، فقوله :( ويثبت به الأقدام ) يدل دلالة المفهوم على أن حال الأعداء كانت بخلاف ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 109 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية