الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1575 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد أخبرنا بهز بن حكيم ح و حدثنا محمد بن العلاء وأخبرنا أبو أسامة عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون ولا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا قال ابن العلاء مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا عز وجل ليس لآل محمد منها شيء

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن بهز ) : بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء وبالزاي ( ابن حكيم ) : بن معاوية وبهز تابعي مختلف في الاحتجاج به . قال أبو حاتم : هو شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال الشافعي : ليس بحجة . وقال الذهبي : ما تركه عالم قط ( عن أبيه عن جده ) : هو معاوية بن حيدة صحابي ( في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون ) : تقدم في حديث أنس أن بنت اللبون تجب من ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين فهو يصدق على أنه يجب في الأربعين بنت لبون ، ومفهوم العدد هنا مطرح زيادة ونقصانا لأنه عارضه المنطوق الصريح وهو حديث أنس ( لا يفرق إبل عن حسابها ) : معناه أن المالك لا يفرق ملكه عن ملك غيره حيث كانا خليطين كما تقدم ، أو المعنى تحاسب الكل في الأربعين ولا يترك هزال ولا سمين ولا صغير ولا كبير نعم العامل لا يأخذ إلا الوسط ( من أعطاها [ ص: 334 ] مؤتجرا بها ) : أي قاصدا للأجر بإعطائها ( وشطر ماله ) : اختلف في ضبط لفظ شطر وإعرابه ، فقال بعض الأئمة هو عطف على الضمير المنصوب في آخذوها ، والمراد من الشطر البعض وظاهره أن ذلك عقوبة بأخذ جزء من المال على منعه إخراج الزكاة . وقال بعض الأئمة : شطر بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة المشددة فعل مبني للمجهول ومعناه جعل ماله شطرين يأخذ المصدق الصدقة من أي الشطرين أراد . قال الإمام ابن الأثير : قال الحربي غلط الراوي في لفظ الرواية إنما هو وشطر ماله أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق فيأخذ الصدقة من غير النصفين عقوبة لمنعه الزكاة ، فأما لا تلزمه فلا .

                                                                      وقال الخطابي في قول الحربي لا أعرف هذا الوجه وقيل إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات في الأموال ثم نسخ وله في الحديث نظائر وقد أخذ أحمد بن حنبل بشيء من هذا وعمل به . وقال الشافعي في القديم من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه واستدل بهذا الحديث .

                                                                      وقال في الجديد : لا يؤخذ منه إلا الزكاة لا غير وجعل هذا الحديث منسوخا وقال كان ذلك حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخت . ومذهب عامة الفقهاء أن لا واجب على متلف الشيء أكثر من مثله أو قيمته انتهى كلامه . وقال الحافظ في التلخيص : وقال البيهقي وغيره : حديث بهز هذا منسوخ وتعقبه النووي بأن الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في الأموال في أول الإسلام ليس بثابت ولا معروف ، ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ .

                                                                      والجواب عن ذلك ما أجاب به إبراهيم الحربي فإنه قال في سياق هذا المتن لفظه وهم فيها الراوي وإنما هو فإنا آخذوها من شطر ماله أي نجعل ماله شطرين فيتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنع الزكاة ، فأما ما لا تلزمه فلا . نقله ابن الجوزي في جامع المسانيد عن الحربي والله أعلم .

                                                                      [ ص: 335 ] ( عزمة ) : قال في البدر المنير عزمة خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك عزمة ، وضبطه صاحب إرشاد الفقه بالنصب على المصدر ، وكلا الوجهين جائز من حيث العربية . ومعنى العزمة في اللغة الجد في الأمر ، وفيه دليل على أن ذلك واجب مفروض من الأحكام ، والعزائم الفرائض كما في كتب اللغة كذا في النيل . وقال في سبل السلام : يجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ونصبه على المصدرية وهو مصدر مؤكد لنفسه مثل له علي ألف درهم اعترافا والناصب له فعل يدل عليه جملة فإنا آخذوها . والعزمة الجد والحق في الأمر يعني آخذ ذلك بجد لأنه واجب مفروض ( من عزمات ربنا ) : أي حقوقه وواجباته . والحديث دليل على أنه يأخذ الإمام الزكاة قهرا ممن منعها انتهى ما في السبل .

                                                                      [ ص: 336 ] وقال الخطابي : اختلف الناس في القول بظاهر الحديث فذهب أكثر الفقهاء إلى أن الغلول والصدقة والغنيمة لا يوجب غرامة في المال وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ، وإليه ذهب الشافعي وكان الأوزاعي يقول في الغنيمة إن للإمام أن يحرق رحله ، وكذلك قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه . وقال أحمد في الرجل يحمل التمرة في أكمامها فيه القيمة مرتين وضرب النكال .

                                                                      وقال : كل من درأنا عنه الحد أضعفنا عليه العزم . واحتج في هذا بعضهم بما روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه قال في ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها والنكال وفي الحديث تأويل آخر ذهب إليه بعض أهل العلم وهو أن يكون معناه أن الحق يستوفى منه غير متروك عليه وإن تلف ماله فلم يبق إلا شطر كرجل كان له ألف شاة فتلف حتى لم يبق منه إلا عشرون فإنه يؤخذ منه عشر شياه لصدقة الألف وهو شطر ماله الباقي أي نصفه ، وهذا محتمل وإن كان الظاهر ما ذهب إليه غيره ممن قد ذكرناه ، وفي قوله ومن منعنا فإنا آخذوها دليل على أن من فرط في إخراج الصدقة بعد وجوبها فمنع بعد الإمكان ولم يردها حتى هلك المال أن عليه الغرامة انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية