الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم ( 53 ) )

قال أبو جعفر : يقول يوسف صلوات الله عليه : وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ، يقول : إن النفوس نفوس العباد ، تأمرهم بما تهواه ، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله ( إلا ما رحم ربي ) يقول : إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمره به من السوء ( إن ربي غفور رحيم ) .

و " ما " في قوله : ( إلا ما رحم ربي ) ، في موضع نصب ، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله ، كقوله : ( ولا هم ينقذون إلا رحمة منا ) [ سورة يس : 43 ، 44 ] بمعنى : إلا أن يرحموا . و " أن " ، إذا كانت في معنى المصدر ، تضارع " ما " . [ ص: 143 ]

ويعني بقوله : ( إن ربي غفور رحيم ) ، أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه ، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها " رحيم " ، به بعد توبته ، أن يعذبه عليها .

وذكر أن يوسف قال هذا القول ، من أجل أن يوسف لما قال : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال ملك من الملائكة : ولا يوم هممت بها! فقال يوسف حينئذ : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

وقد قيل : إن القائل ليوسف : " ولا يوم هممت بها ، فحللت سراويلك " ! هو امرأة العزيز ، فأجابها يوسف بهذا الجواب .

وقيل : إن يوسف قال ذلك ابتداء من قبل نفسه .

ذكر من قال ذلك :

19428 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما جمع الملك النسوة فسألهن : هل راودتن يوسف عن نفسه؟ قلن حاش لله ، ما علمنا عليه من سوء! قالت امرأة العزيز : ( الآن حصحص الحق ) الآية . قال يوسف : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال فقال له جبريل : ولا يوم هممت بما هممت! فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19429 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما جمع الملك النسوة ، قال لهن : أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر سائر الحديث ، مثل حديث أبي كريب ، عن وكيع .

19430 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو قال : أخبرنا إسرائيل [ ص: 144 ] عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما جمع فرعون النسوة ، قال : أنتن راودتن يوسف عن نفسه؟ ثم ذكر نحوه غير أنه قال : فغمزه جبريل ، فقال : ولا حين هممت بها! فقال يوسف : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19431 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير قال : لما قال يوسف : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) . قال جبريل ، أو ملك : ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19432 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا وكيع قال : حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، بنحوه إلا أنه قال : قال له الملك : ولا حين هممت بها؟ ولم يقل : " أو جبريل " ، ثم ذكر سائر الحديث مثله .

19433 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا محمد بن بشر ، وأحمد بن بشير ، عن مسعر ، عن أبى حصين ، عن سعيد بن جبير : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال فقال له الملك أو جبريل : ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19434 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل قال : لما قال يوسف : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال له جبريل : ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19435 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل ، بمثله .

19436 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا عمرو قال : أخبرنا مسعر ، [ ص: 145 ] عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، مثل حديث ابن وكيع ، عن محمد بن بشر وأحمد بن بشير سواء .

19437 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، وزيد بن حباب ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال له جبريل : اذكر همك ! فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19438 - حدثنا الحسن قال : حدثنا عفان قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن الحسن : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) قال جبريل : يا يوسف اذكر همك ! قال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19439 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، في قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال : هذا قول يوسف قال : فقال له جبريل : ولا حين حللت سراويلك؟ قال فقال يوسف : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) ، الآية .

19440 - حدثني المثنى قال : حدثنا عمرو بن عون قال : أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، بنحوه .

19441 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ذكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف ، قال له : اذكر ما هممت به . قال نبي الله : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

19442 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال : أتذكر همك؟ فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .

19443 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال الملك ، [ ص: 146 ] وطعن في جنبه : يا يوسف ، ولا حين هممت؟ قال : فقال : ( وما أبرئ نفسي ) .

ذكر من قال : قائل ذلك له المرأة .

19444 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ) ، قال : قاله يوسف حين جيء به ، ليعلم العزيز أنه لم يخنه بالغيب في أهله ، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين . فقالت امرأة العزيز : يا يوسف ، ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال يوسف : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) .

ذكر من قال : قائل ذلك يوسف لنفسه ، من غير تذكير مذكر ذكره ولكنه تذكر ما كان سلف منه في ذلك .

19445 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين ) ، هو قول يوسف لمليكه ، حين أراه الله عذره ، فذكر أنه قد هم بها وهمت به ، فقال يوسف : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) ، الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية