الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ورد إلى بغداذ إنسان من الملثمين ، ملوك الغرب ، قاصدا إلى دار الخلافة ، فأكرم ، وكان معه إنسان يقال له الفقيه ، من الملثمين أيضا ، فوعظه الفقيه في جامع القصر ، واجتمع له العالم العظيم ، وكان يعظ وهو متلثم لا يظهر منه غير عينيه ، وكان هذا الملثم قد حضر مع ابن الأفضل ، أمير الجيوش ، وقعته مع الفرنج ، وأبلى بلاء حسنا .

وكان سبب مجيئه إلى بغداذ : أن المغاربة يعتقدون في العلويين ، أصحاب مصر ، الاعتقاد القبيح ، فكانوا ، إذا أرادوا الحج ، يعدلون عن مصر وكان أمير الجيوش بدر والد الأفضل أراد إصلاحهم ، فلم يميلوا إليه ، ولا قاربوه . فأمر بقتل من ظفر به منهم ، فلما وصل ابنه الأفضل أحسن إليهم ، واستعان بمن قاربه منهم على حرب الفرنج ، وكان هذا من جملة من قاتل معه ، فلما خالط المصريين خاف العود إلى بلاده ، فقدم بغداذ ، ثم عاد إلى دمشق ، ولم يكن للمصريين حرب مع الفرنج إلا وشهدها ، فقتل في بعضها شهيدا ، وكان شجاعا فتاكا مقداما .

وفيها ، في ربيع الآخر ، ظهر كوكب في السماء له ذؤابة ، كقوس قزح ، آخذة من المغرب إلى وسط السماء ، وكان يرى قريبا من الشمس قبل ظهوره ليلا ، وبقي يظهر عدة ليال ، ثم غاب .

[ ص: 529 ] وفيها وصل الملك قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش ، صاحب بلاد الروم ، إلى الرها ليحصرها ، وبها الفرنج ، فراسله أصحاب جكرمش المقيمون بحران ليسلموها إليه ، فسار إليهم وتسلم البلد ، وفرح به الناس لأجل جهاد الفرنج ، فأقام بحران أياما ، ومرض مرضا شديدا ، أوجب عوده إلى ملطية ، فعاد مريضا ، وبقي أصحابه بحران .

[ الوفيات ] وفي هذه السنة توفي أبو منصور الخياط المقري ، إمام مسجد ابن جردة ، وكان خيرا صالحا .

وفيها قتل القاضي أبو العلاء صاعد بن أبي محمد النيسابوري الحنفي بجامع أصبهان ، قتله باطني .

وفيها توفي أبو الفوارس الحسين بن علي بن الحسين بن الخازن ، صاحب الخط الجيد ، وعمره سبعون سنة ، قيل إنه كتب خمسمائة ختمة .

وفيها ، في المحرم ، توفي القاضي أبو الفرج عبيد الله بن الحسن ، قاضي البصرة ، وله ثلاث وثمانون سنة ، وكان من الفقهاء الشافعية المشهورين ، تفقه على الماوردي ، وأبي إسحاق ، وأخذ النحو عن الرقي ، والدهان ، وابن برهان ، وكان عفيفا ، مقدما عند الخلفاء والسلاطين .

وفيها ، في المحرم ، توفي سهل بن أحمد بن علي الأرغياني ، أبو الفتح الحاكم ، تفقه على الجويني ، وبرز ، ثم ترك المناظرة ، وبنى رباطا ، واشتغل بالعبادة وقراءة القرآن .

[ ص: 530 ] وفيها ، في صفر ، توفي الأمير مهارش بن مجلي ، وله نحو ثمانين سنة ، وهو الذي كان الخليفة القائم عنده بالحديثة ، وكان كثير الصلاة والصوم ، يحب الخير وأهله ، ولما توفي ملك الحديثة بعده ابنه سليمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية