الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون ( 63 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ( قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل ) ، يقول : منع منا الكيل فوق الكيل الذي كيل لنا ، ولم يكل لكل رجل منا إلا كيل بعير - ( فأرسل معنا أخانا ) ، بنيامين يكتل لنفسه كيل بعير آخر زيادة على كيل أباعرنا ( وإنا له لحافظون ) ، من أن يناله مكروه في سفره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

19474 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي : فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا : يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة ما لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته ، وإنه ارتهن شمعون ، وقال : ائتوني بأخيكم هذا [ ص: 159 ] الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك ، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي . قال يعقوب : ( هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ) ؟ قال : فقال لهم يعقوب : إذا أتيتم ملك مصر فأقرءوه مني السلام ، وقولوا : إن أبانا يصلي عليك ، ويدعو لك بما أوليتنا .

19475 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : خرجوا حتى قدموا على أبيهم ، وكان منزلهم ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعربات من أرض فلسطين بغور الشأم وبعض يقول : بالأولاج من ناحية الشعب ، أسفل من حسمى وكان صاحب بادية له شاء وإبل ، فقالوا : يا أبانا ، قدمنا على خير رجل ، أنزلنا فأكرم منزلنا ، وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا ، وقد أمرنا أن نأتيه بأخ لنا من أبينا ، وقال : إن أنتم لم تفعلوا ، فلا تقربني ولا تدخلن بلدي . فقال لهم يعقوب : ( هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ) ؟

واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( نكتل ) .

فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة ، وبعض أهل مكة والكوفة ( نكتل ) ، بالنون ، بمعنى : نكتل نحن وهو .

وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : " يكتل " بالياء; بمعنى يكتل هو لنفسه ، كما نكتال لأنفسنا .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب . وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه منع منهم زيادة الكيل على عدد رءوسهم ، فقالوا : ( يا أبانا منع منا الكيل ) ثم [ ص: 160 ] سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه ، فهو إذا اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم ، فقد دخل " الأخ " في عددهم . فسواء كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه ، أو عن جميعهم بلفظ الجميع ، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به .

التالي السابق


الخدمات العلمية