الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1540 1619 - حدثنا إسماعيل، حدثنا مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي. فقال: " طوفي من وراء الناس، وأنت راكبة". فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور [الطور: 1، 2]. [انظر: 464- مسلم: 1276 - فتح: 3 \ 480]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              - وقال [لي] عمرو بن علي: حدثنا أبو عاصم قال ابن جريج: أنا قال: أخبرني عطاء -إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال- قال: كيف يمنعهن، وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال؟! قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وهو من أفراده، وهو من باب العرض والمذاكرة، أعني قوله: وقال [ ص: 403 ] لي عمرو. وفي بعض النسخ إسقاطها، والأول هو ما في الأصول و"أطراف خلف"، وكذا ذكره البيهقي ، وصاحبا المستخرجين، زاد أبو نعيم: وهو حديث عزيز ضيق، ثم قال: وحدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا الحميدي، ثنا أبو حميد، ثنا أبو قرة قال: ذكر ابن جريج: أخبرني عطاء: إذ منع ابن هشام النساء الطواف، فذكره عن قصة الخروج مع عبيد بن عمير، ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج وفيه: "إذا دخلن البيت سترن حين يدخلن" مكان "قمن حتى يدخلن"، وابن جريج هو راويه عن عطاء، وهو السائل عن هذه القصة وبينهما جرى الخطاب، وعطاء هو القائل: وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير.

                                                                                                                                                                                                                              وابن هشام: هو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، خال هشام بن عبد الملك بن مروان ووالي المدينة، كما قاله الكلبي، وأخو محمد بن هشام، وكانا خاملين قبل الولاية، وفي إبراهيم يقول أبو زيد الأسلمي، وكان قصده بمدح أوله: يا ابن هشام يا أخا الكرام، فقال إبراهيم: وإنما أنا أخوهم، وكأني لست منهم، ثم أمر به فضرب بالسياط، فقال يهجوه ويذكر حاله وخموله، فيما ذكره المبرد في "كامله".

                                                                                                                                                                                                                              قال الأصمعي: ما رويت للعرب في الهجاء مثلها. قال خليفة بن خياط في "تاريخه": وفي سنة خمس وعشرين ومائة كتب الوليد بن يزيد إلى يوسف بن عمر يقدم عليه خالد بن عبد الله القسري ومحمدا وإبراهيم ابني هشام بن إسماعيل المخزوميين، وأمره بقتلهم، فعذبهم حتى ماتوا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 404 ] وقول عطاء: (قد طاف نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الرجال) ، يريد: أنهم طافوا في وقت واحد غير مختلطات بالرجال; لأن سنتهن أن يطفن ويصلين من وراء الرجال ويستترن عنهم كما في حديث أم سلمة الآتي.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن السنة إذا أراد النساء دخول البيت أن يخرج الرجال عنه بخلاف الطواف.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: طوافهن متنكرات.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: طواف الليل.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: سفر نسائه بعده وحجهن.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: رواية المرأة عن المرأة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه - كما قال الداودي -: النقاب للنساء في الإحرام.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: المجاورة بمكة، وهو نوع من الاعتكاف، وهو ضربان: مجاورة ليلا ونهارا، ومجاورة نهارا فقط.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: جواز المجاورة في الحرم كله، وإن لم يكن في المسجد الحرام، كذا قال ابن بطال، قال: لأن ثبيرا خارج مكة وهو في طريق منى .

                                                                                                                                                                                                                              قلت: ذكر ياقوت أن بمكة شرفها الله سبعة أجبل كل منها يسمى ثبيرا بفتح المثلثة ثم باء موحدة ثم ياء مثناة تحت ثم راء.

                                                                                                                                                                                                                              أولها: أعظم جبالها، بينها وبين عرفة ، وهو المراد بقولهم: أشرق ثبير كيما نغير، وسيأتي في بابه، قال البكري: ويقال: ثبير الأثبرة، وقال [ ص: 405 ] الأصمعي: هو ثبير حراء .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: ثبير الزنج; لأن الزنج كانوا يلعبون عنده.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: ثبير الأعرج.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: ثبير الخضراء.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها: ثبير النصع، وهو جبل المزدلفة على يسار الذاهب إلى منى.

                                                                                                                                                                                                                              سادسها: ثبير غينى .

                                                                                                                                                                                                                              سابعها: ثبير الأحدب. قال البكري: وهو على الإضافة وكذا ضبطناه، وحكاه ابن الأنباري على النعت ، وقال الزمخشري: ثبير جبلان متفرقان تصب بينهما أفاعية، وهي واد يصب من منى يقال لأحدهما: ثبير عيناء، وللآخر: ثبير الأعرج.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: وكانت عائشة تطوف حجرة من الرجال. أي: ناحية أخرى.

                                                                                                                                                                                                                              كما قال الفراء من قولهم: نزل فلان حجرة من الناس أي: معتزلا ناحية، وهو بفتح الحاء وسكون الجيم. قال صاحب "المطالع": لا غير. قلت: لا. فقد قال ابن سيده: وقعد حجرة. وحجرة أي: ناحية وجمعها: حواجر على غير قياس . وبخط الدمياطي: الجمع: حجرات، وحكى الضم أيضا: حجرة، ابن عديس في "مثناه"، وفي ابن بطال: وقال عبد الرزاق: يعني محجورا بينها وبين الناس بثوب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 406 ] والتركية: قبة صغيرة من لبود.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر فيه أيضا حديث أم سلمة أم المؤمنين قالت: شكوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أشتكي. فقال: "طوفي من وراء الناس وأنت راكبة". فطفت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث سلف في الصلاة، في القراءة في الفجر . فإن قراءته بالطور كانت في الفجر، وذكره بعد هذا في باب: من صلى ركعتي الطواف خارجا من المسجد، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون" ففعلت ذلك، فلم يصل حتى خرجت، ولما شكت إليه أنها لا تطيق الطواف ماشية لضعفها، فقال: "طوفي راكبة". ففيه: إشعار بوجوب المشي لغير المعذور، وقد سلف ما فيه، وعند المالكية: تركب بعيرا غير جلالة لطهارة بوله عندهم، إذ لا يؤمن أن يكون ذلك منه في المسجد. قالوا: وإن كان محمولا فيكون حامله لا طواف عليه، وعللوه بأن الطواف صلاة، فلا يصلي عن نفسه وغيره ، وعندنا فيه تفصيل محله كتب الفروع، وفيه: طواف النساء من وراء الرجال.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: ويحتمل أن يكون طوافها طوافا واجبا، وهو الأظهر.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ويحتمل أن يكون طواف الوداع. قال: وفيه: الصلاة بجنب البيت والجهر بالقراءة، وعن سحنون أنها كانت نافلة، وحديث البخاري أنه في الصبح يرده.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية