الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب أين تصدق الأموال

                                                                      1591 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي عن ابن إسحق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا جلب ولا جنب ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم حدثنا الحسن بن علي حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال سمعت أبي يقول عن محمد بن إسحق في قوله لا جلب ولا جنب قال أن تصدق الماشية في مواضعها ولا تجلب إلى المصدق والجنب عن غير هذه الفريضة أيضا لا يجنب أصحابها يقول ولا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه ولكن تؤخذ في موضعه

                                                                      التالي السابق


                                                                      جمع سن بمعنى العمر وهي مؤنثة . قال في اللسان : وجمعها أسنان لا غير . وفي حديث عثمان . وجاوزت أسنان أهل بيتي أي أعمارهم . والمعنى باب أعمار الإبل ، وأما السن من الفم فهي مؤنثة أيضا وجمعها الأسنان أيضا ، مثل حمل وأحمال والله أعلم .

                                                                      ( سمعته من الرياشي ) : بكسر الراء ثم الياء التحتانية المخففة اسمه عباس بن الفرج البصري النحوي وثقه ابن حبان والخطيب ( وأبي حاتم ) الرازي اسمه محمد بن إدريس الحافظ الكبير روى عن ابن معين وأحمد والأصمعي وجماعة . قال النسائي ثقة ، وقال الخطابي : كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات ( من كتاب النضر بن شميل ) : الكوفي النحوي وثقه ابن معين والنسائي ، وكتابه في غريب الحديث ( ومن كتاب أبي عبيد ) : القاسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف . قال أبو داود : ثقة مأمون وكتابه في غريب الحديث ، ( وربما ذكر أحدهم ) : ممن ذكر وأوهم الرياشي وأبوحاتم والنضر وأبو عبيد ( الكلمة مفعول ذكر أي ذكر واحد منهم بعض الألفاظ ولم يذكره غيره . والحاصل : أني أحرر الألفاظ في تفسير الأسنان آخذا من كلام هؤلاء فربما اتفقوا جميعهم على تفسير بعض الألفاظ وربما انفرد به بعض دون بعض ولكن أنا لا أتركه بل أحرره على وجه الاستيعاب والله أعلم ( يسمى الحوار ) : بضم الحاء وقد تكسر ولد الناقة ساعة تضعه أو إلى أن يفصل عن أمه . كذا في القاموس . وفي الصحاح الحوار ولد الناقة ولا يزال حوارا حتى يفصل فإذا فصل عن أمه فهو فصيل ( حق وحقة ) : قال الجوهري : الحق بالكسر ما كان من الإبل ابن ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة ، والأنثى حقة وحق أيضا ، سمي بذلك لاستحقاقه [ ص: 351 ] أن يحمل عليه أن ينتفع به ( لأنها ) : أي الحقة ( الفحل ) : للذكر من الإبل أي يضربها الفحل ويقضي حاجته منها ( وهي تلقح ) : يقال : لقحت الناقة تلقح إذا حملت فاستبان حملها . والمعنى أن الناقة إلى تمام أربع سنين تكون قابلة لضرب الفحل وتكون حاملة ( ولا يلقح ) : بصيغة المجهول ( الذكر ) : قال في القاموس وشرحه : واللقاح اسم ماء الفحل من الإبل أو الخيل هذا هو الأصل والمعنى أن الذكر من الإبل لا يصير قابلا للضرب وصب ماء الفحل ( حتى يثني ) : الإبل أي يستكمل ستا من السنين بإلقاء ثنيته .

                                                                      قال في لسان العرب : الثنية واحدة الثنايا من السن وثنايا الإنسان في فمه الأربع التي في مقدم فيه ؛ ثنتان من فوق وثنتان من أسفل . قال ابن سيده : وللإنسان والخف والسبع ثنيتان من فوق وثنيتان من أسفل ، والثني من الإبل الذي يلقي ثنيته وذلك في السادسة ، وإنما سمي البعير ثنيا لأنه ألقى ثنيته .

                                                                      قال الجوهري : الثني الذي يلقي ثنيته ويكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة ، وفي الخف في السنة السادسة ( وألقى السن السديس ) : بفتح السين وكسر الدال هو السن التي بعد الرباعية . والسديس والسدس من الإبل والغنم الملقي سديسه ، وقد أسدس البعير إذا ألقى السن بعد الرباعية وذلك في السنة الثامنة ( بعد الرباعية ) : قال في اللسان : والرباعية مثل الثمانية إحدى الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا بين الثنية والناب تكون للإنسان وغيره والجمع رباعيات قال الأصمعي للإنسان من فوق ثنيتان ورباعيتان بعدهما ونابان وضاحكان وستة أرحاء من كل جانب وناجذان ، وكذلك من أسفل .

                                                                      قال أبو زيد : وللحافر بعد الثنايا أربع رباعيات وأربعة قوارح وأربعة أنياب وثمانية أضراس ، يقال للذكر من الإبل إذا طلعت رباعيته رباع وللأنثى رباعية بالتخفيف وذلك إذا دخلا في السنة السابعة ( فهو سديس ) : بفتح السين وكسر الدال ( وسدس ) : بفتح السين وفتح الدال المهملتين .

                                                                      قال في اللسان : السديس من الإبل ما دخل في السنة الثامنة وذلك إذا ألقى السن [ ص: 352 ] التي بعد الرباعية . والسدس بالتحريك السن قبل البازل يستوي فيه المذكر والمؤنث لأن الإناث في الأسنان كلها بالهاء إلا السدس ، والسديس والبازل ( طلع نابه ) : الناب هي السن التي خلف الرباعية ( فهو بازل أي بزل نابه يعني طلع ) : قال الأصمعي وغيره : يقال للبعير إذا استكمل السنة الثامنة وطعن في التاسعة وفطرنا به ، فهو حينئذ بازل وكذلك الأنثى بغير هاء جمل بازل وناقة بازل وهو أقصى أسنان البعير ، سمي بازلا من البزل وهو الشق وذلك أن نابه إذا طلع ، يقال له بازل لشقه اللحم عن منبته شقا ( مخلف ) : بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام . قال في اللسان : والإخلاف أن يأتي على البعير البازل سنة بعد بزوله يقال بعير مخلف والمخلف من الإبل الذي جاز البازل . وفي المحكم : المخلف بعد البازل وليس بعده سن ولكن يقال مخلف عام أو عامين وكذلك ما زاد ، والأنثى بالهاء وقيل الذكر والأنثى فيه سواء انتهى ( بازل عام ) : بالإضافة ( وبازل عامين ) : قال في تاج العروس : وقولهم : بازل عام وبازل عامين إذا مضى له بعد البزول عام أو عامان انتهى . وكذا معنى قولهم مخلف عام ومخلف عامين إذا مضى له بعد الإخلاف عام أو عاما أو ثلاثة أعوام إلى خمس سنين ( والخلفة ) : بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الحامل من النوق وتجمع على خلفات وخلائف ( والجذوعة ) : بفتح الجيم وضم الذال المعجمة بعدها واو هكذا في جميع النسخ بزيادة الواو بعد الذال ، والذي في القاموس ما نصه : الجذع محركة قبل الثني وهي بهاء اسم له في زمن وليس بسن تنبت أو تسقط انتهى .

                                                                      وفي لسان العرب : الجذع الصغير السن والجذع اسم له في زمن ليس بسن تنبت ولا تسقط وتعاقبها أخرى ، فأما البعير فإنه يجذع لاستكماله أربعة أعوام ، ودخوله في السنه الخامسة وهو قبل ذلك حق ، والذكر جذع والأنثى جذعة وهي التي أوجبها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صدقة الإبل إذا جاوزت ستين . وليس في صدقات الإبل من فوق الجذعة ولا يجزئ الجذع من الإبل في الأضاحي ( وفصول الأسنان ) : أي أعمار الإبل ( عند طلوع سهيل ) : بضم السين قال في لسان العرب : سهيل كوكب يمان . قال الزهري : سهيل [ ص: 353 ] كوكب لا يرى بخراسان ويرى بالعراق .

                                                                      قال الليث : بلغنا أن سهيلا كان عشارا على طريق اليمن ظلوما فمسخه الله تعالى كوكبا . وقال ابن كناسة : سهيل يرى بالحجاز وفي جميع أرض العرب ولا يرى بأرض أرمينية ، وبين رؤية أهل الحجاز سهيلا ، ورؤية أهل العراق إياه عشرون يوما ويقال إنه يطلع عند نتاج الإبل فإذا حالت السنة تحولت أسنان الإبل .

                                                                      والمعنى أن حساب أسنان الإبل أي أعمارها عند طلوع سهيل لأن سهيلا إنما يطلع في زمن نتاج الإبل فحساب عمرها إنما يكون من زمن طلوعه . فالإبل التي كانت ابن لبون تصير عند طلوع سهيل حقا ، وقلما تنتج الإبل غير زمن طلوع سهيل . فالإبل التي تلد في غير زمنه لا يحسب سنها من طلوع سهيل بل بولادتها وإليه أشار الشاعر ( إذا سهيل ) : كوكب يمان ( أول الليل ) : في فصل طلوعه ( طلع ) : وفي لسان العرب إذا سهيل مطلع الشمس طلع : أي لفظ مطلع الشمس بدل أول الليل ، لكن ما نقله أبو داود أحسن منه لأن من المعلوم أن الكواكب بأسرها تطلع مطلع الشمس أي جهة المشرق فلا فائدة في ذكره مع قوله طلع بخلاف ما في الكتاب ، فإن الكواكب مختلفة الطلوع فبعضها تطلع أول الليل وبعضها وسطه وبعضها آخره فذكره مفيد .

                                                                      واعلم أن ما ذكره المؤلف أبو داود رحمه الله هاهنا مما أنشده الرياشي ثلاثة أبيات أحدها قوله

                                                                      إذا سهيل أول الليل طلع

                                                                      والثاني

                                                                      فابن اللبون الحق والحق جذع

                                                                      والثالث

                                                                      لم يبق من أسنانها غير الهبع

                                                                      وكلها من مشطور الرجز والقافية متراكب ، وهذا على قول غير الخليل وأما الخليل فإنه لا يعده شعرا وكان الشعر عنده ما له مصراعان وعروض وضرب . أصل الرجز مستفعلن ست مرات وهو في الاستعمال يسدس تارة على الأصل ويربع تارة أخرى ويثلث مشطورا ثالثة ، وسمي المثلث مشطورا .

                                                                      والتفصيل في علمي العروض والقوافي ( فابن اللبون ) : التي دخلت في الثالثة وهو مبتدأ ( الحق ) : التي دخلت في الرابعة وهو خبره والجملة جواب الشرط ( والحق ) : مبتدأ ( جذع ) : التي دخلت في الخامسة خبره والجملة معطوفة على جملة جواب الشرط ، المعنى أنه إذا طلع سهيل أول الليل صار ابن اللبون حقا وصار الحق جذعا ، وكذا صار الجذع ثنيا والثني رباعيا والرباعي سديسا ، وهكذا لما سبق من أن سهيلا يطلع أول الليل عند نتاج الإبل فإذا حالت [ ص: 354 ] السنة بطلوع سهيل تحولت أسنان الإبل . ثم قال الشاعر ( لم يبق من أسنانها ) : الإبل ( غير الهبع ) : يعني أن الإبل على قسمين أحدهما وهو الأكثر ما يولد زمن طلوع سهيل أو الليل والثاني ما يولد في غير زمنه وقد مر ذكر أسنان القسم الأول في البيتين السابقين فلم يبق من أسنان الإبل غير مذكور إلا القسم الثاني وهو الذي يقال له الهبع على ما قال المؤلف ( والهبع الذي يولد ) : بصيغة المجهول ( في غير حينه ) : أي حين طلوع سهيل أول الليل . قال في اللسان : الهبع الفصيل الذي ينتج في الصيف ، وقيل هو الفصيل الذي فصل في آخر النتاج .

                                                                      قال ابن السكيت : العرب تقول : " ماله هبع ولا ربع " فالربع ما نتج في أول الربيع والهبع ما نتج في الصيف . هذا كله من غاية المقصود شرح سنن أبي داود .

                                                                      8 - باب أين تصدق الأموال ( قال لا جلب ) : أي بفتحتين بمعنى لا يقرب العامل أموال الناس إليه لما فيه من المشقة عليهم بأن ينزل الساعي محلا بعيدا عن الماشية ثم يحضرها وإنما ينبغي له أن ينزل على مياههم أو أمكنة مواشيهم لسهولة الأخذ حينئذ .

                                                                      ويطلق الجلب أيضا على حث فرس السباق على قوة الجري بمزيد الصياح عليه لما يترتب عليه من إضرار الفرس ( ولا جنب ) : بفتحتين أي لا يبعد صاحب المال المال بحيث تكون مشقة على العامل ( ولا تؤخذ ) : بالتأنيث وتذكر ( إلا في دورهم ) : أي منازلهم وأماكنهم ومياههم وقبائلهم على سبيل الحصر ، لأنه كنى بها عنه فإن أخذ الصدقة في دورهم لازم لعدم بعد الساعي عنها فيجلب إليه ولعدم بعد المزكي فإنه إذا بعد عنها لم يؤخذ فيها .

                                                                      وحاصله أن آخر الحديث مؤكد لأوله أو إجمال لتفصيله ، كذا في المرقاة . [ ص: 355 ] ( والجنب عن هذه الفريضة ) : أي في فريضة الزكاة ولا في السباق ( أيضا ) : يجيء بمعنى ( لا يجنب ) : بصيغة المجهول ( أصحابها ) : أي أصحاب الأموال ( ولا يكون الرجل ) : الساعي المصدق ( أصحاب الصدقة ) : أي مالك المواشي ( فتجنب ) بصيغة المجهول أي تحضر المواشي ( إليه ) : إلى المصدق ( لكن تؤخذ ) : المواشي ( في موضعه ) : أي صاحب الأموال .

                                                                      قال ابن الأثير في النهاية : الجلب يكون في شيئين أحدهما في الزكاة وهو أن يقدم المصدق على أهل الزكاة فينزل موضعا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها ، فنهى عن ذلك وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم . الثاني أن يكون في السباق وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره ويجلب عليه ويصيح حثا له على الجري فنهى عن ذلك .

                                                                      والجنب بالتحريك في السباق أن يجنب فرسا إلى فرسه الذي يسابق عليه فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب وهو في الزكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر فنهوا عن ذلك . وقيل هو أن يجنب رب المال بماله أي يبعده عن مواضعه حتى يحتاج العامل إلى الإبعاد في اتباعه وطلبه انتهى كلامه .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه أبو داود في الجهاد من حديث الحسن البصري عن عمران بن الحصين وليس فيه ولا تؤخذ صدقاتهم في دورهم .

                                                                      وأخرجه أيضا من هذا الوجه الترمذي والنسائي . وقال الترمذي : حديث حسن صحيح . هذا آخر كلامه . وقد ذكر علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما من الأئمة أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين انتهى كلامه .




                                                                      الخدمات العلمية