الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الزكاة على الأقارب وقال النبي صلى الله عليه وسلم له أجران أجر القرابة والصدقة

                                                                                                                                                                                                        1392 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس فلما أنزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه تابعه روح وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل عن مالك رايح [ ص: 381 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 381 ] قوله : ( باب الزكاة على الأقارب ) قال الزين بن المنير : ووجه استدلاله لذلك بأحاديث الباب أن [ ص: 382 ] صدقة التطوع على الأقارب لما لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة معا كانت صدقة الواجب كذلك ، لكن لا يلزم من جواز صدقة التطوع على من يلزم المرء نفقته أن تكون الصدقة الواجبة كذلك . وقد اعترضه الإسماعيلي بأن الذي في الأحاديث التي ذكرها مطلق الصدقة لا الصدقة الواجبة ، فلا يتم استدلاله إلا إن أراد الاستدلال على أن الأقارب في الزكاة أحق بها إذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم صرف الصدقة المتطوع بها إلى الأقارب أفضل فذلك حينئذ له وجه . وقال ابن رشيد : قد يؤخذ ما اختاره المصنف من حديث أبي طلحة فيما فهمه من الآية ، وذلك أن النفقة في قوله : ( حتى تنفقوا ) أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا ، فعمل بها أبو طلحة في فرد من أفراده ، فيجوز أن يعمل بها في بقية مفرداته ، ولا يعارضها قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء الآية ، لأنها تدل على حصر الصدقة الواجبة في المذكورين . وأما صنيع أبي طلحة فيدل على تقديم ذوي القربى إذا اتصفوا بصفة من صفات أهل الصدقة على غيرهم ، وسيأتي ذكر من يستثنى من الأقارب في الصدقة الواجبة بعد بابين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم له أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) هذا طرف من حديث فيه قصة لامرأة ابن مسعود ، وسيأتي موصولا بعد ثلاثة أبواب . ثم ذكر المصنف في الباب حديثين : حديث أنس في تصدق أبي طلحة بأرضه ، وحديث أبي سعيد في قصة امرأة ابن مسعود وغير ذلك . فأما حديث أنس فسيأتي الكلام عليه مستوفى في كتاب الوقف .

                                                                                                                                                                                                        وقوله فيه : " بيرحاء " بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الراء وبالمهملة والمد ، وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية ، فقال : يروى بفتح الباء وبكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر ، فهذه ثمان لغات . وفي رواية حماد بن سلمة " بريحا " بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية ، وفي سنن أبي داود : " باريحا " مثله لكن بزيادة ألف ، وقال الباجي : أفصحها بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء مقصور ، وكذا جزم به الصغاني ، وقال : إنه فيعلى من البراح ، قال : ومن ذكره بكسر الموحدة وظن أنها بئر من آبار المدينة فقد صحف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه روح ) يعني عن مالك في قوله : " رابح " بالموحدة ، وسيأتي من طريقه موصولا في البيوع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل ، عن مالك : رايح ) يعني بالتحتانية ، أما رواية يحيى فستأتي موصولة في الوكالة وعزاها مغلطاي لتخريج الدارقطني فأبعد ، وأما رواية إسماعيل ، وهو ابن أبي أويس فوصلها المصنف في التفسير ، وقد وهم صاحب " المطالع " فقال : رواية يحيى بن يحيى بالموحدة ، وكأنه اشتبه عليه الأندلسي ، بالنيسابوري ، فالذي عناه هو الأندلسي والذي عناه البخاري النيسابوري ، قال الداني في أطرافه : رواه يحيى بن يحيى الأندلسي بالموحدة ، وتابعه جماعة ، ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري بالمثناة ، وتابعه إسماعيل ، وابن وهب ، ورواه القعنبي بالشك ا هـ . ورواية القعنبي وصلها البخاري في الأشربة بالشك كما قال ، والرواية الأولى واضحة من الربح ، أي : ذو ربح ، وقيل : هو فاعل بمعنى مفعول ، أي : هو مال مربوح فيه ، وأما الثانية فمعناها رائح عليه أجره ، قال ابن بطال : والمعنى أن مسافته قريبة ، وذلك أنفس الأموال ، وقيل : معناه يروح بالأجر ويغدو به ، واكتفى بالرواح عن الغدو . وادعى الإسماعيلي أن من رواها بالتحتانية فقد صحف ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية