الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر انهزام طغتكين من الفرنج

في هذه السنة ، في شعبان ، انهزم أتابك طغتكين من الفرنج .

وسبب ذلك أن حصن عرقة ، وهو من أعمال طرابلس ، كان بيد غلام للقاضي فخر الملك أبي علي بن عمار ، صاحب طرابلس ، وهو من الحصون المنيعة ، فعصى على مولاه ، فضاق به القوت ، وانقطعت عنه الميرة ، لطول مكث الفرنج في نواحيه ، فأرسل إلى أتابك طغتكين ، صاحب دمشق ، وقال له : أرسل من يتسلم هذا الحصن مني ، قد عجزت عن حفظه ، ولأن يأخذه المسلمون خير لي دنيا وآخرة من أن يأخذه الفرنج . فبعث إليه طغتكين صاحبا له اسمه إسرائيل ، في ثلاثمائة رجل ، فتسلم الحصن ، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه إسرائيل في الأخلاط ، بسهم فقتله ، وكان قصده بذلك أن لا يطلع أتابك طغتكين على ما خلفه بالقلعة من المال .

وأراد طغتكين قصد الحصن للاطلاع عليه ، وتقويته بالعساكر ، والأقوات ، وآلات الحرب ، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين ، ليلا ونهارا ، فمنعه ، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس ، ففتح حصونا للفرنج منها حصن الأكمة .

فلما سمع السرداني الفرنجي بمجيء طغتكين ، وهو على حصار طرابلس ، توجه في ثلاثمائة فارس ، [ ص: 572 ] فلما أشرف أوائل أصحابه على عسكر طغتكين انهزموا وخلوا ثقلهم ورحالهم ودوابهم للفرنج ، فغنموا ، وقووا به ، وزاد في تجملهم .

ووصل المسلمون إلى حمص ، على أقبح حال من التقطع ، ولم يقتل منهم أحد لأنه لم تجر حرب ، وقصد السرداني إلى عرقة ، فلما نازلها طلب من كان بها الأمان ، فأمنهم على نفوسهم ، وتسلم الحصن ، فلما خرج من فيه قبض على إسرائيل ، وقال : لا أطلقه إلا بإطلاق فلان ، وهو أسير كان بدمشق من الفرنج ، منذ سبع سنين ، ففودي به وأطلقا معا .

ولما وصل طغتكين إلى دمشق ، بعد الهزيمة ، أرسل إليه ملك القدس يقول له : لا تظن أنني أنقض الهدنة للذي تم عليك من الهزيمة ، فالملوك ينالهم أكثر مما نالك ، ثم تعود أمورهم إلى الانتظام والاستقامة ، وكان طغتكين خائفا أن يقصده بعد هذه الكسرة فينال من بلده كل ما أراد .

التالي السابق


الخدمات العلمية