الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5915 43 - حدثنا خلاد بن يحيى، حدثنا سفيان، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا، وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس مكانه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "تفسحوا". وخلاد، بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام، ابن يحيى بن صفوان السلمي الكوفي، سكن مكة ومات بها قريبا من سنة ثلاث عشرة ومائتين، وهو من أفراده، وسفيان هو الثوري، وعبيد الله هو العمري، والحديث من أفراده.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ويجلس فيه آخر"؛ أي: وأن يجلس فيه شخص آخر، واختلف في تأويل نهيه عن أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، فتأوله قوم على الندب، وقالوا: هو من باب الأدب; لأن المكان غير متملك له، وتأوله قوم على الوجوب، واحتجوا بحديث معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به، وقال محمد بن مسلم: معنى قوله: "فهو أحق به" إذا جلس في مجلس القائم فهو أولى به إذا قام لحاجة، فأما إذا قام تاركا فهو ليس أولى به من غيره، وقيل: إذا قام ليرجع كان أحق، وقيل: إن رجع عن قرب كان أحق. قوله: "تفسحوا"؛ أمر، ووجه كونه استدراكا من الخبر بتقدير لفظ "قال" بعد "لكن"، أو يقال: نهى أن يقيم، في تقدير: لا يقيمن، ويحتمل أن يكون من كلام ابن عمر ولا يكون من تتمة الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله: "وكان ابن عمر" هو موصول بالسند المذكور، وقد روي هذا عن ابن عمر مرفوعا، أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب، بفتح المعجمة وكسر المهملة وفي آخره باء موحدة، واسمه زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام له رجل عن مجلسه فذهب [ ص: 258 ] ليجلس، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النووي: قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلا، ثم فارقه ليعود إليه؛ كإرادة الوضوء مثلا والشغل يسير ثم يعود لا يبطل حقه في الاختصاص به، وله أن يقيم من خلفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه، واختلف هل يجب عليه؟ على وجهين؛ أصحهما الوجوب، وقيل: يستحب، وهو مذهب مالك، قال أصحابنا: وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة دون غيرها، قال: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا، وقال عياض: اختلف العلماء فيمن اعتاد بموضع من المسجد للتدريس والفتوى، فحكي عن مالك أنه أحق به إذا عرف به، قال: والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بحق واجب، ولعله مراد مالك، وكذا قالوا في مقاعد الباعة من الأفنية والطرق التي هي غير متملكة، قالوا: من اعتاد الجلوس في شيء منها فهو أحق به حتى يتم غرضه، قال: وحكاه الماوردي عن مالك قطعا للتنازع، وقال القرطبي: الذي عليه الجمهور أنه ليس بواجب.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية