الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( ومن الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه العزيز ، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل ) .

      التالي السابق


      ش وقوله : ( ومن الإيمان بالله . . إلخ ) : هذا شروع في التفصيل بعد الإجمال ، و ( من ) هنا للتبعيض ، والمعنى : ومن جملة إيمان أهل السنة والجماعة بالأصل الأول الذي هو أعظم الأصول وأساسها ، وهو الإيمان بالله : أنهم يؤمنون بما وصف به نفسه . . . إلخ .



      وقوله : ( من غير تحريف ) متعلق بالإيمان قبله ؛ يعني أنهم يؤمنون بالصفات الإلهية على هذا الوجه الخالي من كل هذه المعاني الباطلة ، إثباتا بلا تمثيل ، وتنزيها بلا تعطيل .

      والتحريف في الأصل مأخوذ من قولهم : حرفت الشيء عن وجهه حرفا ، من باب ضرب ؛ إذا أملته وغيرته ، والتشديد للمبالغة .

      [ ص: 99 ] وتحريف الكلام : إمالته عن المعنى المتبادر منه إلى معنى آخر لا يدل عليه اللفظ إلا باحتمال مرجوح ، فلا بد فيه من قرينة تبين أنه المراد .

      وأما التعطيل ؛ فهو مأخوذ من العطل ، الذي هو الخلو والفراغ والترك ، ومنه قوله تعالى : وبئر معطلة .

      أي : أهملها أهلها ، وتركوا وردها .

      والمراد به هنا نفي الصفات الإلهية ، وإنكار قيامها بذاته تعالى .

      فالفرق بين التحريف والتعطيل : أن التعطيل نفي للمعنى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وأما التحريف ؛ فهو تفسير النصوص بالمعاني الباطلة التي لا تدل عليها .

      والنسبة بينهما العموم والخصوص المطلق ، فإن التعطيل أعم مطلقا من التحريف ؛ بمعنى أنه كلما وجد التحريف وجد التعطيل دون العكس ، وبذلك يوجدان معا فيمن أثبت المعنى الباطل ونفى المعنى الحق ، ويوجد التعطيل بدون التحريف فيمن نفى الصفات الواردة في الكتاب [ ص: 100 ] والسنة ، وزعم أن ظاهرها غير مرادها ، ولكنه لم يعين لها معنى آخر ، وهو ما يسمونه بالتفويض .

      ومن الخطأ القول بأن هذا هو مذهب السلف ، كما نسب ذلك إليهم المتأخرون من الأشاعرة وغيرهم ، فإن السلف لم يكونوا يفوضون في علم المعنى ، ولا كانوا يقرءون كلاما لا يفهمون معناه ؛ بل كانوا يفهمون معاني النصوص من الكتاب والسنة ، ويثبتونها لله عز وجل ، ثم يفوضون فيما وراء ذلك من كنه الصفات أو كيفياتها ، كما قال مالك حين سئل عن كيفية استوائه تعالى على العرش : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ) .



      [ ص: 101 ] وأما قوله : ( ومن غير تكييف ولا تمثيل ) فالفرق بينهما أن التكييف أن يعتقد أن صفاته تعالى على كيفية كذا ، أو يسأل عنها بكيف .

      وأما التمثيل ؛ فهو اعتقاد أنها مثل صفات المخلوقين .

      وليس المراد من قوله : ( من غير تكييف ) أنهم ينفون الكيف مطلقا ؛ فإن كل شيء لا بد أن يكون على كيفية ما ، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف ؛ إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه .




      الخدمات العلمية