الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا هناد ) : بتشديد النون . ( ابن السري ) : بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد الياء . ( حدثنا ) : وفي نسخة " أخبرنا " . ( عبد الرحمن بن أبي الزناد ) : بكسر الزاي بعدها [ ص: 91 ] نون ، اسمه عبد الله بن ذكوان المدني ، مولى قريش ، صدوق ، أخرج حديثه البخاري في التعليق ، ومسلم ، والأربعة في صحاحهم ، تغير حفظه لما قدم بغداد . ( عن هشام ) : أحد الفقهاء السبعة ، اتفقوا على توثيقه وإمامته وجلالته مع أنه كان يدلس أحيانا . ( بن عروة ) : أبي عبد الله المدني ، قال ابن شهاب : كان بحرا لا يكدر . وقال ابن عيينة : كان من أعلم الناس لحديث عائشة . ( عن أبيه ) : أي عروة بن الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة . ( عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أغتسل ) : أفادت الحكاية الماضية بصيغة المضارع استحضارا للصورة المتقدمة ، وإشارة إلى تكراره واستمراره ، أي : اغتسلت مكررا . ( أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ) : بالرفع على العطف ، ويروى بالنصب على أنه مفعول معه ، قال الطيبي : أبرز الضمير ليصح العطف ، فإن قلت : كيف يصح العطف ولا يقال اغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أجيب بأنه على تغليب المتكلم الغائب كما غلب المخاطب على الغائب في قوله تعالى : ( اسكن أنت وزوجك الجنة ) فإن قلت : النكتة هناك أن آدم عليه السلام أصل في سكنى الجنة ، قلت هنا : للإيذان بأن النساء محل الشهوات وحاملات للاغتسال فكن أصلا ، انتهى . أو أن الأصل إخبار الشخص عن نفسه ، قيل : ويحتمل أن يكون الماء معدا لغسلها وشاركها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى بعده . ( من إناء واحد ) : متعلق باغتسل وهو يحتمل أن يقع الغسلان متعاقبين ، ومن المعلوم تقدمه صلى الله عليه وسلم كما هو شأن الأدب ، وعلى تقدير المعية يحتمل التستر كما هو الظاهر من جمال حالهما وكمال حيائهما ، وعلى تقدير التكشف يحتمل عدم النظر إلى العورة بل هو صريح في بعض الروايات عن عائشة رضي الله عنها : " ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ولا شك أنه كان أشد حياء منها ، وقد ورد أيضا في رواية عنها : " ما رأيت منه ولا رأى مني " يعني الفرج . وبه اندفع ما نقله ميرك عن بعض الفضلاء من أن في الحديث دليلا على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وبالعكس . قال : ويؤيده ما رواه ابن حبان أن : سليمان بن موسى سئل عن هذه المسألة ، يعني عن الرجل ينظر إلى عورة امرأته ، فقال : سألت عطاء فقال : سألت عائشة فذكرت هذا الحديث بمعناه وهو نص في المسألة ، انتهى . وفي كونه نصا محل نظر إذ على تقديره يناقض ما سبق عنها فعلى فرض صحته يحمل على ما عدا الفرج من الأفخاذ فإنه ربما ينكشف عند الاغتسال وبه يزول الإشكال ، والله أعلم بالحال ، ثم قيل : في الحديث دليل على أن الاغتراف من الماء القليل لا يجعل الماء مستعملا ، وفيه أن الظاهر من حالهما غسل أيديهما خارج الإناء ثم تناولهما من الماء . قال ميرك : ووقع في رواية البخاري : " من إناء واحد من قدح " ، فقيل : الأولى ابتدائية ، والثانية : بيانية ، والأولى أن يقال : " من قدح " بدل " من إناء " بإعادة الجار ، ووقع في رواية أخرى : من إناء واحد من جنابة ; أي بسبب الجنابة ، ومن [ ص: 92 ] أجلها قال ابن التين : كان هذا الإناء من شبه ، وهو بفتح المعجمة والموحدة ، وكأن مستنده ما رواه الحاكم من طريق حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، ولفظه : " من تور من شبه " ، وفي رواية للبخاري : " من إناء يقال له الفرق " ، وهو بفتحتين ويروى بتسكين الراء ، واختلف في مقداره ، والمشهور عند الجمهور أنه ثلاثة آصع ، وقيل صاعان ، ويؤيد الأول ما رواه ابن حبان من طريق عطاء ، عن عائشة ، بلفظ : " قدره ستة أقساط " ، والقسط بكسر القاف نصف صاع باتفاق أهل اللغة . واختار بعض العلماء جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة وعكسه ، وعليه الجمهور ، وبعضهم على جواز طهارة المرأة بفضل الرجل دون العكس ، وقيد بعضهم المنع فيما إذا خليا به ، والجواز فيما إذا اجتمعا وتمسك كل بظاهر خبر دل على ما ذهب إليه ، وعلى تقدير صحة الجميع يمكن الجمع بحمل النهي على ما تساقط من الأعضاء ، والجواز على ما بقي في الإناء بذلك ، جمع الخطابي وجمع بعضهم بأن الجواز فيما إذا اغترفا معا والمنع فيما اغترف أحدهما قبل الآخر . وبعضهم حمل النهي على التنزيه والفعل على الجواز ، وهو الظاهر ، والله أعلم بالسرائر . ( وكان له ) : أي لرأسه الشريف . ( شعر ) : أي نازل . ( فوق الجمة ) : بضم الجيم وتشديد الميم ما سقط على المنكبين . ( ودون الوفرة ) : بفتح الواو وسكون الفاء بعده راء ما وصل إلى شحمة الأذن كذا في جميع الأصول والنهاية ، وهذا بظاهره يدل على أن شعره صلى الله عليه وسلم كان أمرا متوسطا بين الجمة والوفرة ليس بجمة ولا وفرة ، لكن سبق أنه صلى الله عليه وسلم كان عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه ، وهذا ظاهر أنه كان شعره جمة وعلى أن جمته مع عظمها إلى أذنيه ، ولعل ذلك باعتبار اختلاف أحواله صلى الله عليه وسلم ، هذا وقد روى المصنف هذا الحديث في جامعه أيضا ، وقال : حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه ، وفي رواية أبي داود قالت : كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة . كذا في جامع الأصول ، قال ميرك : كذا وقع في الشمائل ، ورواه أبو داود بهذا الإسناد ، فوق الوفرة دون الجمة ، قيل : وهو الصواب ، وقد جمع بينهما العراقي في شرح جامع الترمذي بأن المراد من قوله " فوق ودون " تارة بالنسبة إلى المحل وتارة بالنسبة إلى المقدار فقوله : " فوق الجمة " أي : أرفع منها في المحل ، " ودون الجمة " أي : أقل منها في المقدار ، وكذا في العكس . قال العسقلاني في شرح البخاري : وهو جمع جيد لولا أن مخرج الحديث متحد ، انتهى كلامه . قال ملا حنفي : فيه بحث لأن مآل الروايتين على هذا التقدير متحد معنى والتفاوت بينهما إنما هو في العبارة [ ص: 93 ] ولا يقدح فيه اتحاد مخرج الحديث ، غاية ما في الباب أن عائشة رضي الله عنها أو من دونها أدت أو أدى معنى واحدا بعبارتين ، ولا غبار عليه ، هذا وقد يستعمل في الحديث أحد اللفظين المتقاربين مكان الآخر كما مر في " أفلج الثنيتين " حيث قالوا : إن " الفلج " استعمل مكان " الفرق " ويمكن أن يقال : لعل اغتسال عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وقع متعددا ، ويكون ذلك الاختلاف ناشئا من اختلاف الأحوال ، انتهى . ولا يخفى أن القول الأخير مبني على أن جملة " وكان " ، إلخ ، حال ، وأما إذا كانت معطوفا على " كنت " فلا تعلق له بالاغتسال ، فيكونان حديثين مستقلين وهو الأظهر وإلا فيلزم أن يكون في كل غسل اختلاف حال وهو غير ملائم كما لا يخفى ، واعلم أن ابن حجر ذكر الحديث في شرح شمائله بلفظ " وأنزل من الوفرة " ، وقال : أي من محلها وهو شحمة الأذن . وهذه الرواية بمعنى رواية أبي داود ، ثم قال : نعم في نسخ هنا " فوق الجمة ودون الوفرة " ، وهذه عكس رواية أبي داود ، انتهى . وقوله : " أنزل " غير موجود في الأصول المعتمدة ولا أحد من الشراح أيضا ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية