الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          صفحة جزء
          الفصل الرابع عشر : الشجاعة ، والنجدة

          وأما الشجاعة ، والنجدة فالشجاعة فضيلة قوة الغضب ، وانقيادها للعقل ، والنجدة : ثقة النفس عند استرسالها إلى الموت حيث يحمد فعلها دون خوف .

          وكان - صلى الله عليه وسلم - منهما بالمكان الذي لا يجهل ، قد حضر المواقف الصعبة ، وفر الكماة والأبطال عنه غير مرة ، وهو ثابت لا يبرح ، ومقبل لا يدبر ، ولا يتزحزح ، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة ، وحفظت عنه جولة سواه .

          [ حدثنا أبو علي الجياني فيما كتب لي ، حدثنا القاضي سراج ، حدثنا أبو محمد الأصيلي ، حدثنا أبو زيد الفقيه ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا ابن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق : سمع البراء ، وسأله رجل : أفررتم يوم حنين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر .

          ثم قال : لقد رأيته على بغلته البيضاء ، وأبو سفيان آخذ بلجامها ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : أنا النبي لا كذب وزاده غيره : أنا ابن عبد [ ص: 182 ] المطلب . قيل : فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه
          .

          وقال غيره : نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بغلته . وذكر مسلم عن العباس ، قال : فلما التقى المسلمون ، والكفار ، ولى المسلمون مدبرين ، فطفق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يركض بغلته نحو الكفار ، وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة ألا تسرع ، وأبو سفيان آخذ بركابه ، ثم نادى : يا للمسلمين . . . الحديث .

          وقيل : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا غضب ، ولا يغضب إلا لله لم يقم لغضبه شيء . وقال : ابن عمر : ما رأيت أشجع ، ولا أنجد ، ولا أجود ، ولا أرضى ، ولا أفضل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

          وقال علي - رضي الله عنه - : إنا كنا إذا حمي البأس ، ويروى : اشتد البأس ، واحمرت الحدق اتقينا برسول الله ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا .

          وقيل : كان الشجاع هو الذي يقترب منه - صلى الله عليه وسلم - إذا دنا العدو ، لقربه منه . وعن أنس : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس ، لقد فزع أهل المدينة ليلة ، فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا ، قد سبقهم إلى الصوت ، واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري ، والسيف في عنقه ، وهو يقول : لن تراعوا .

          وقال عمران بن حصين : ما لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتيبة إلا كان أول من يضرب . ولما رآه أبي بن خلف يوم أحد ، وهو يقول : أين محمد ، لا نجوت إن نجا . وقد كان يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتدى يوم بدر : عندي فرس أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليها . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنا أقتلك إن شاء الله .

          فلما رآه يوم أحد شد أبي على فرسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاعترضه رجال من المسلمين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هكذا ، أي خلوا طريقه وتناول الحربة من الحارث بن الصمة ، [ ص: 183 ] فانتفض بها انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعراء عن ظهر البعير إذا انتفض ، ثم استقبله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فطعنه في عنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا .

          وقيل : بل كسر ضلعا من أضلاعه ، فرجع إلى قريش يقول : قتلني محمد ، وهم يقولون لا بأس بك . فقال : لو كان ما بي بجميع الناس لقتلهم ، أليس قد قال : أنا أقتلك ، والله لو بصق علي لقتلني . فمات بسرف في قفولهم إلى مكة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية