الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مسألة :

" ومني الآدمي ، وبول ما يؤكل لحمه طاهر " .

وأما المني فأشهر الروايتين أنه طاهر لما روت عائشة قالت : " كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه " .

[ ص: 111 ] رواه الجماعة إلا البخاري ، ولو كان نجسا لم يجزئ فركه كسائر النجاسات . والرواية الأخرى هو نجس يجزئ فركه لهذا الحديث ؛ لأن الفرك إنما يدل على خفة النجاسة كالدم ولهذا يجزئ مسح رطبه على هذه الرواية ، نص عليه ، ذكره القاضي كفرك يابسه وإن كان مفهوم كلام أكثر أصحابنا أنه لا يجزئ إلا الفرك كقول أبي حنيفة فإنه خلاف المذهب ، ويختص الفرك بمني الرجل لأنه أبيض غليظ يذهب الفرك والمسح بأكثره بخلاف مني المرأة ، فإن الفرك والمسح لا يؤثر فيه طائلا ، وإنما يجب الغسل أو المسح أو الفرك في كثيره ، فأما يسيره يعفى عنه كالدم وأولى ، وإذا اشتبه موضع الجنابة فرك الثوب كله ، أو غسل ما رأى وفرك ما لم ير ، وهذا مشروع على الرواية الأولى استحبابا والأولى أشهر ؛ لأن الأصل في النجاسة وجوب الغسل ؛ ولأن أثر ابن عباس سئل عن المني يصيب الثوب فقال : " أمطه عنك ولو بإذخر أو خرقة فإنما هو بمنزلة المخاط أو البزاق " ونحوه عن [ ص: 112 ] سعد بن أبي وقاص ، وقد روى حديث ابن عباس مرفوعا .

وأما الرطوبة التي في فرج المرأة فطاهر في أقوى الروايتين ، وأما بول ما يؤكل لحمه وروثه فطاهر في ظاهر المذهب ، لما روي عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا بأس ببول ما أكل لحمه " . رواه الدارقطني . واحتج به أحمد في رواية عبد الله ، وقال أبو بكر عبد العزيز ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما أخرجا في الصحيحين عن أنس بن مالك أن رهطا من عكل أو قال من عرينة قدموا فاجتووا المدينة " فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها " . رواه الجماعة ، ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما يصيبهم منه مع أنهم أعراب معتادون شربه .

[ ص: 113 ] حديثو عهد بجاهلية ، وساقه مع اللبن سياقة واحدة . وكل هذا يدل على طهارته . وصح عنه أنه أذن في الصلاة في مرابض الغنم ولم يأمر بحائل ، وطاف على بعيره ، وأذن لأم سلمة بالطواف على بعير ، وكان الأعرابي يدخل بعيره في المسجد وينتجه فيه ، ولو كانت أرواثها نجسة - مع أن عادة البهائم ألا تمتنع من البول في بقعة دون بقعة - لوجب صيانة المسجد عن ذلك ، ولما سألته الجن الزاد لهم ولدوابهم . قال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه تجدونه أوفر ما يكون لحما . وكل بعرة علف لدوابكم" قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تستنجوا بها فإنها زاد إخوانكم من الجن" .

فلو كان قد أباح لهم الروث النجس لم يكن في صيانته عن نجاسة مثله معنى وقال أبو بكر بن الأشج : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون وخروء البعير في ثيابهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية