الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في الاستتار عند الحاجة

                                                                                                          14 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد السلام بن حرب الملائي عن الأعمش عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض قال أبو عيسى هكذا روى محمد بن ربيعة عن الأعمش عن أنس هذا الحديث وروى وكيع وأبو يحيى الحماني عن الأعمش قال قال ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض وكلا الحديثين مرسل ويقال لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد نظر إلى أنس بن مالك قال رأيته يصلي فذكر عنه حكاية في الصلاة والأعمش اسمه سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلي وهو مولى لهم قال الأعمش كان أبي حميلا فورثه مسروق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله ( نا عبد السلام بن حرب الملائي ) أبو بكر الكوفي أصله بصري ثقة حافظ .

                                                                                                          [ ص: 61 ] قوله : ( إذا أراد الحاجة ) أي قضاء الحاجة ، والمعنى إذا أراد القعود للغائط أو للبول ( حتى يدنو من الأرض ) أي حتى يقرب منها محافظة على التستر واحترازا عن كشف العورة . وهذا من أدب قضاء الحاجة .

                                                                                                          قال الطيبي : يستوي فيه الصحراء والبنيان لأن في رفع الثوب كشف العورة وهو لا يجوز إلا عند الحاجة ولا ضرورة في الرفع قبل القرب من الأرض .

                                                                                                          قوله : ( هكذا روى محمد بن ربيعة ) الكلابي الرؤاسي ، أبو عبد الله ابن عم وكيع الكوفي ، عن الأعمش وهشام بن عروة وابن جريج وطائفة ، وعنه أحمد وابن معين وزياد بن أيوب وخلق ، وثقه ابن معين وأبو داود والدارقطني .

                                                                                                          ( وروى وكيع وأبو يحيى الحماني ) بكسر المهملة وشدة الميم وهو عبد الحميد بن عبد الرحمن ، أبو يحيى الكوفي عن الأعمش ، وعنه ابنه يحيى وأبو كريب ، وثقه ابن معين وضعفه أحمد وابن سعد ، كذا في الخلاصة ، وقال في التقريب لقبه : بشمين ، صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء ، من التاسعة مات سنة اثنتين ومائتين . انتهى .

                                                                                                          ( عن الأعمش قال : قال ابن عمر إلخ ) فحديث وكيع الحماني عن الأعمش عن ابن عمر ، وأما حديث عبد السلام بن حرب محمد بن ربيعة فعن الأعمش عن أنس ( وكلا الحديثين ) أي حديث أنس وحديث ابن عمر رضي الله عنه ( مرسل ) أي منقطع ، وصورة المرسل : أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل بحضرته كذا أو نحو ذلك ، ولا يذكر الصحابي ، وقد يجيء عند المحدثين رحمهم الله المرسل والمنقطع بمعنى ، والاصطلاح الأول أشهر وذكر السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير وقال : رواه أبو داود والترمذي عن أنس وابن عمر والطبراني في الأوسط عن جابر . انتهى .

                                                                                                          وقال المناوي في شرح الجامع الصغير : وبعض أسانيده صحيح . قلت : والحديث أخرجه أيضا أبو داود والدارمي .

                                                                                                          ( ويقال لم يسمع الأعمش عن أنس إلخ ) قال علي بن المديني : الأعمش لم يسمع من أنس بن مالك إنما رآه رؤية بمكة يصلي خلف المقام . فأما طرق الأعمش عن أنس فإنما يرويها عن يزيد الرقاشي عن أنس . كذا في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ، ويزيد الرقاشي هذا هو يزيد بن أبان الرقاشي أبو عمرو البصري القاص زاهد ضعيف . وقال الحافظ [ ص: 62 ] المنذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا . وذكر أبو نعيم الأصفهاني أن الأعمش رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى وسمع منهما . والذي قاله الترمذي هو المشهور . انتهى .

                                                                                                          ( والأعمش اسمه سليمان بن مهران ) بكسر الميم وكنيته أبو محمد ، ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس ، وهو من صغار التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة رضي الله عنهم . ولد سنة 61 إحدى وستين ومات سنة 148 ثمان وأربعين ومائة ( الكاهلي وهو مولى لهم ) أي نسبة الأعمش إلى قبيلة كاهل من جهة أنه مولى لهم لا من جهة أنه هو منهم صلبية ، قال ابن الصلاح في مقدمته : النوع الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة والعلماء ، وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة - كما إذا قيل فلان القرشي - أنه منهم صلبية ، فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم . انتهى .

                                                                                                          فائدة : اعلم أن من الموالي من يقال له مولى فلان أو لبني فلان والمراد به مولى العتاقة وهذا هو الأغلب في ذلك ، ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد به ولاء الإسلام ، ومنهم أبو عبد الله البخاري ، فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده وأظنه الذي يقال له الأحنف أسلم وكان مجوسيا على يد اليمان بن أخنس الجعفي ، وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي مولى عبد الله بن المبارك إنما ولاؤه له من حيث كونه أسلم وكان نصرانيا على يديه ، ومنهم من هو مولى بولاء الحلف والموالاة ، كمالك بن أنس الإمام ونفره هم أصبحيون صلبية ويقال له التيمي لأن نفره أصبح موال لتيم قريش بالحلف ، وقيل لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي ، أي أجيرا ، وطلحة يختلف بالتجارة ، فقيل هو مولى التيميين لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي وهذا قسم رابع ، كما قيل في مقسم إنه مولى ابن عباس للزومه إياه كذا في مقدمة ابن الصلاح .

                                                                                                          فائدة أخرى : قال ابن الصلاح في مقدمته ، روينا عن الزهري قال قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري؟ قلت من مكة ، قال : فمن خلفت بها يسود أهلها؟ قلت عطاء بن أبي رباح ، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، قال وبم سادهم؟ قلت بالديانة والرواية ، قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا ، قال فمن يسود أهل اليمن؟ [ ص: 63 ] قال قلت طاوس بن كيسان ، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، قال وبم سادهم؟ قلت بما سادهم به عطاء ، قال إنه لينبغي ، قال فمن يسود أهل مصر ، قال : قلت يزيد بن أبي حبيب ، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، قال فمن يسود أهل الشام؟ قال : قلت مكحول ، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل ، قال : فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت ميمون بن مهران ، قال فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، قال فمن يسود أهل خراسان؟ قال : قلت الضحاك بن مزاحم ، قال : فمن العرب أو من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، قال : فمن يسود أهل البصرة؟ قال : قلت الحسن بن أبي الحسن ، قال : فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من الموالي ، قال : فمن يسود أهل الكوفة؟ قال : قلت إبراهيم النخعي ، قال : فمن العرب أم من الموالي؟ قال : قلت من العرب ، قال : ويلك يا زهري ، فرجت عني ، والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها ، قال : قلت يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه من حفظه ساد ومن ضيعه سقط . وفيما نرويه عن عبد الله بن زيد بن أسلم قال : لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى جميع الموالي إلا المدينة ، فإن الله حصنها بقرشي ، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع ، قلت : وفي هذا بعض الميل ، لقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير . انتهى كلام ابن الصلاح .

                                                                                                          ( قال الأعمش كان أبي حميلا فورثه مسروق ) أي جعله وارثا ، والحميل الذي يحمل من بلاده صغيرا إلى دار الإسلام ، كذا في مجمع البحار ، وفي توريثه من أمه التي جاءت معه وقالت إنه هو ابنها خلاف ، فعند مسروق أنه يرثها ، فلذلك ورث والد الأعمش ، أي جعله وارثا ، وعند الحنفية أنه لا يرث من أمه ، قال الإمام محمد في موطئه : أخبرنا مالك أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد بن المسيب قال ، أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا من ولد في العرب ، قال محمد وبهذا نأخذ لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة وتقول هو ولدي أو تقول هو أخي أو يقول هي أختي ، ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة إلا الوالد والولد ، فإنه إذا ادعى الوالد أنه ابنه وصدقه فإنه ابنه ولا يحتاج في هذا إلى بينة . انتهى . ومسروق هذا هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوداعي ، أبو عائشة الكوفي ، ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية ، كذا في التقريب ، وقال في الخلاصة أخذ عن عمر وعلي ومعاذ وابن مسعود ، وعنه إبراهيم والشعبي وخلق ، وعن الشعبي قال : ما علمت أحدا كان أطلب للعلم منه ، وكان أعلم بالفتوى من شريح ، وكان شريح يستشيره ، وكان مسروق لا يحتاج إلى شريح ، مات سنة 63 ثلاث وستين ، كذا في تذكرة الحفاظ ، وقال أبو سعد السمعاني سمي مسروقا لأنه سرقه إنسان في صغره ثم وجد ، وغير عمر اسم أبيه إلى [ ص: 64 ] عبد الرحمن ، فأثبت في الديوان مسروق بن عبد الرحمن . كذا في التهذيب .

                                                                                                          تنبيه : لم يشر الترمذي إلى حديث آخر في الباب . فاعلم أنه قد جاء في الباب عن أبي هريرة أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ، وعن عبد الله بن جعفر أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه ، وعن جابر أخرجه أبو داود وابن ماجه ، وعن المغيرة أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي .




                                                                                                          الخدمات العلمية