الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 239 ] في تنويع العبادات البدنية وهو أنواع : أحدها الأقوال : كالتكبيرات والتحميدات والتسبيحات والتهليلات والتسليمات والدعوات ، وحمدلة العاطسين وتشميتهم ، والتحيات وردها ، والخطب المشروعات والأمر بالواجبات والمندوبات والنهي عن المحرمات والمكروهات ، والسؤال عما يجب السؤال عنه ، والفتيا والحكم والشهادات ، والإقامة والأذان وقراءة القرآن ، والبسملة على الطعام والشراب ، والنحر والذبح ، وقراءة القرآن عند فزع الشياطين وهمزاتهم .

النوع الثاني : الأفعال المجردة كالجهاد في سبيل الله وإنقاذ الغرقى والهلكى ودفع الصوال والأغسال ، وكذلك تجهيز الأموات وإكرامهم بما أمر الله سبحانه وتعالى من الأفعال الواجبات والمندوبات .

النوع الثالث : الكف كالصيام الذي هو كف مجرد عن المفطرات .

النوع الرابع : ما يشتمل على الفعل والكف وهو أنواع : أحدها الاعتكاف وهو مكث في بيت من بيوت الله مع الكف عن المباشرة والجماع ، ومنها الحج والطواف والسعي والتعريف والإحرام والكف عن المحرمات المعروفات وهو : الطيب والدهن وإزالة الشعر وقص الأظفار ، والجماع والمباشرة بشهوة النكاح والإنكاح ، وقتل الصيد وأكل ما صاده أو صيد له وستر وجوه النساء ورءوس الرجال ولبس الرجال الخفاف .

النوع الخامس : الصلاة وهي مشتملة على أفعالها الظاهرة والباطنة وعلى الأقوال وعلى الكف عن كلام الناس وكثرة الأفعال المتوالية وعن الالتفات [ ص: 240 ] بالقلوب والأبدان ، والصلاة عند الشافعي رحمه الله أفضل العبادات البدنيات لاشتمالها على ما ذكرناه من الأفعال والأقوال والخضوع والخشوع وترك الالتفات الظاهر .

وكذلك الباطن عما أمر بالإقبال عليه فإن المصلي مأمور إذا قرأ القرآن أن يلاحظ معانيه ، وإن كان في آية وعد رجاه ، ولهذا قال سبحانه وتعالى : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } .

وإذا كانت آيات الصفات تأمل تلك الصفة فإن كانت مشعرة بالتوكل فليعزم عليه ، وإن كانت موجبة للحياء فليستحي منه ، وإن كانت موجبة للتعظيم فليعظمه ، وإن كانت موجبة للحب فليحبه ، وإن كانت حاثة على طاعة فليعزم على إتيانها ، وإن كانت زاجرة عن معصية فليعزم على اجتنابها ، ولا يشتغل عن معنى ذكر من الأذكار بمعنى غيره وإن كان أفضل منه لأنه سوء أدب ولكل مقام مقال يليق به ولا يتعداه ، وكذلك لا يشتغل عن معنى من معاني القرآن باستحضار معنى غيره وإن كان أفضل منه ، ولذلك تكره قراءة القرآن في الركوع والسجود ، ويكره التسبيح في القعود مكان الدعاء ، وإذا دعا فليتأدب في الدعاء بالتضرع والإخفاء لقوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعا وخفية } فالتفات الجنان عما ذكرناه إعراض عن الرب سبحانه وتعالى بأفضل أجزاء الإنسان ، وليس الالتفات بالأركان كالالتفات بالجنان لأن الالتفات بالجنان مفوت لهذه المصالح التي هي أعم العبادات ورأس الطاعات وعنها تصلح الأجساد وتستقيم الأبدان فمن صلى على هذا الوجه كانت صلاته كاملة ناهية عن الفحشاء والمنكر وعلى هذا يحمل قوله تعالى : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } ، فيكون الألف فيها واللام للكمال ، وما أجدر مثل هذه الصلاة أن تنهي عن الفحشاء والمنكر ، إن من اتصف بهذه الأحوال والملاحظات كان إذا تحلل من الصلاة قريب العهد بذكر هذه الصفات والأحوال الزاجرة عن الفحشاء والمنكر . [ ص: 241 ]

النوع السادس : إسقاط الحقوق كالاعتكاف في الكفارات والإبراء من الديون والعفو عن الإساءات ، ويتفاوت شرف الإسقاط بتفاوت المسقط في الشرف ، فالعفو عن القصاص أفضل من العفو عن حد القذف ، والعفو عن حد القذف أفضل من العفو عن التعذير ، والإبراء من الدينار أفضل من الإبراء من الدرهم .

وكذلك يتفاوت شرف التمليك بتفاوت شرف المملك ، وإخراج بنت مخاض في الصدقة أفضل من إخراج الشاة ، وإخراج بنت اللبون أفضل من إخراج بنت مخاض ، وإخراج الحقة أفضل من إخراج بنت اللبون ، وإخراج الجذعة أفضل من إخراج الحقة ، وإخراج الثنية أفضل من إخراج الجذعة ، وكذلك إخراج جزرات المال وخياره أفضل مما دون ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية