الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وسئل عبد الله بن المبارك، بم نعرف ربنا؟ قال: بأنه على عرشه بائن من خلقه.

قيل: بحد؟ قال: بحد.
حدثناه الحسن بن الصباح البزار عن علي بن الحسين بن شقيق عن ابن المبارك.

فمن ادعى أنه ليس لله حد فقد رد القرآن، وادعى أنه لا شيء ؛ لأن الله وصف حد مكانه في مواضع كثيرة، من كتابه فقال: الرحمن على العرش استوى [ سورة طه: 5] أأمنتم من في السماء [ سورة الملك: 16] إني متوفيك ورافعك إلي [ سورة آل عمران: 55] يخافون ربهم من فوقهم [ سورة النحل: 50] إليه يصعد الكلم الطيب [ سورة فاطر: 10] [ ص: 58 ] فهذا كله وما أشبهه شواهد ودلائل على الحد، ومن لم يعترف به فقد كفر بتنزيل الله، وجحد آيات الله.

و " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فوق عرشه فوق سماواته" و " قال للأمة السوداء: أين الله؟ قالت: في السماء، قال أعتقها فإنها مؤمنة".

فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنها مؤمنة" دليل على أنها لو لم تؤمن بأن الله في السماء، كما قال الله ورسوله، لم تكن مؤمنة وأنه لا يجوز في الرقبة المؤمنة إلا من يحد الله أنه في السماء، كما قال الله ورسوله. [ ص: 59 ]

حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن شبيب بن شيبة عن الحسن " عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه: يا حصين، كم تعبد اليوم إلها؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحد في السماء، قال فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك؟ قال: الذي في السماء"، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الكافر، إذ عرف أن إله العالمين في السماء، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فحصين الخزاعي في كفره يومئذ كان أعلم بالله الجليل الأجل من المريسي وأصحابه، مع ما ينتحلون من الإسلام، إذ ميز بين الإله الخالق الذي في السماء، وبين الآلهة والأصنام المخلوقة التي في الأرض.

وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين: أن الله في السماء، وحدوه بذلك، إلا المريسي الضال وأصحابه، حتى الصبيان الذين لم يبلغوا الحنث قد عرفوه بذلك، إذا حزب الصبي شيء يرفع يده إلى ربه يدعوه في السماء دون ما سواها، وكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية.

[ ص: 60 ] ثم انتدب المعارض لتلك الصفات التي ألفها وعددها في كتابه من الوجه والسمع والبصر وغير ذلك يتأولها، ويحكم على الله وعلى رسوله فيها حرفا بعد حرف وشيئا بعد شيء، بحكم بشر بن غياث المريسي، لا يعتمد فيها على إمام أقدم منه، ولا أرشد منه عنده، فاغتنمنا ذلك كله منه، إذ صرح باسمه، وسلم فيها لحكمه، لما أن الكلمة قد اجتمعت من عامة الفقهاء في كفره، وهتك ستره، وافتضاحه في مصره، وفي سائر الأمصار الذي سمعوا بذكره".

ثم ذكر الكلام على إبطال تأويلات الجهمية للصفات الواردة في الكتاب والسنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية