الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى:

                                                                                                                                                                                                                                      [22 - 29] ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور [ ص: 4805 ] نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السماوات والأرض إن الله هو الغني الحميد ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن أي: في أعماله: فقد استمسك بالعروة الوثقى أي: تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب، وهو تمثيل لحال المؤمن المخلص المحسن، بحال من أراد رقي شاهق، فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه: وإلى الله عاقبة الأمور ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا أي: من الأعمال الظاهرة والباطنة: إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله أي: على أن جعل دلائل التوحيد بحيث لا يكاد ينكرها المكابرون أيضا: بل أكثرهم لا يعلمون أي: شيئا ما; فلذلك لا يعملون بمقتضى اعترافهم.

                                                                                                                                                                                                                                      لله ما في السماوات والأرض أي: فلا يستحق العبادة فيهما غيره: إن الله هو الغني أي: عن العالمين، وهم فقراء إليه جميعا: الحميد أي: المحمود فيما خلق وشرع، بلسان الحال والمقال: ولو أنما [ ص: 4806 ] في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده أي: من بعد نفاده: سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله أي: التي أوجد بها الكائنات، وسيوجد بها ما لا غاية لحصره ومنتهاه، والسبعة إنما ذكرت على سبيل المبالغة لا الحصر: إن الله عزيز حكيم ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة أي: إلا كخلقها وبعثها في سهولته: إن الله سميع بصير ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى أي: أمد قدره الله تعالى لجريهما، وهو يوم القيامة: وأن الله بما تعملون خبير أي: لأن من شاهد مثل ذلك الصنع الرائق، والتدبير الفائق، لا يكاد يغفل عن كون صانعه عز وجل محيطا بما يأتي ويذر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية