الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3852 [ ص: 7 ] كتاب اللباس والزينة

                                                                                                                              ومثله: في النووي .

                                                                                                                              باب: إنما يلبس الحرير في الدنيا؛ من لا خلاق له في الآخرة

                                                                                                                              وإباحة الانتفاع به وبثمنه

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة؛ على الرجال والنساء، وخاتم الذهب والحرير؛ على الرجل، وإباحته للنساء، وإباحة العلم ونحوه للرجل؛ ما لم يزد على أربع أصابع).

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 39 40 جـ 14 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن ابن عمر ؛ قال: رأى عمر عطاردا التميمي ، يقيم بالسوق: حلة سيراء، وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم. فقال عمر : يا رسول الله! إني رأيت عطاردا يقيم في السوق: حلة سيراء. فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب ، إذا قدموا عليك! وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما يلبس الحرير في الدنيا؛ من لا خلاق له في الآخرة" فلما كان بعد ذلك: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة. وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة. وأعطى علي بن أبي طالب حلة. [ ص: 8 ] وقال: "شققها خمرا بين نسائك". قال: فجاء عمر بحلته يحملها. فقال: يا رسول الله! بعثت إلي بهذه، وقد قلت بالأمس -في حلة عطارد - ما قلت. فقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها. ولكني بعثت بها إليك؛ لتصيب بها". وأما أسامة ؛ فراح في حلته. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نظرا؛ عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أنكر ما صنع. فقال: يا رسول الله! ما تنظر إلي؟ فأنت بعثت إلي بها. فقال: "إني لم أبعث إليك لتلبسها. ولكني بعثت بها إليك؛ لتشققها خمرا بين نسائك ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عمر) رضي الله عنهما؛ (قال: رأى عمر بن الخطاب) رضي الله عنه؛ (عطاردا التميمي، يقيم بالسوق حلة سيراء). أي: يعرضها للبيع.

                                                                                                                              "والحلة"، على ما في القاموس، وغيره من كتب اللغة: إزار ورداء. ولا تكون حلة إلا من ثوبين، أو ثوب له بطانة. وهي بضم الحاء. وضبطوا "الحلة" هنا: بالتنوين؛ على أن "سيراء" صفة. وبغير تنوين؛ على الإضافة. قال النووي : وهما وجهان مشهوران. والمحققون ومتقنو العربية: يختارون الإضافة. قال القرطبي : كذا قيد عمن يوثق بعلمه. فهو على هذا من باب: "إضافة الشيء إلى صفته". على أن سيبويه قال: لم تأت "فعلاء" صفة. وأكثر المحدثين: ينونون. قال الخطابي: [ ص: 9 ] "حلة سيراء"؛ كما قالوا: "ناقة عشراء". انتهى.

                                                                                                                              "وسيراء" بكسر السين، وفتح الياء، ثم راء، ثم ألف ممدودة. قال في القاموس: "كعنباء"؛ نوع من البرود، فيه خطوط صفراء. أو يخالطه حرير. والذهب الخالص. انتهى.

                                                                                                                              وقال الخطابي: هي برود مضلعة بالقز. وكذا قال الخليل، والأصمعي، وأبو داود .

                                                                                                                              وقال آخرون: إنها شبهت خطوطها بالسيور. وقيل: هي ثياب مضلعة بالقز.

                                                                                                                              وقيل: هي مختلفة الألوان. قاله الأزهري.

                                                                                                                              وقيل: هي وشي من حرير. قاله مالك

                                                                                                                              وقيل: هي حرير محض.

                                                                                                                              وقال ابن سيده: إنها ضرب من البرود.

                                                                                                                              وقال الجوهري : إنها ما كان فيه خطوط صفر.

                                                                                                                              وقيل: ما يعمل من القز.

                                                                                                                              وقيل: ما يعمل من ثياب اليمن.

                                                                                                                              وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى: "حلة من إستبرق". وفي [ ص: 10 ] الأخرى: "من ديباج، أو حرير".

                                                                                                                              وفي رواية: "حلة سندس".

                                                                                                                              قال النووي : فهذه الألفاظ تبين: أن هذه الحلة؛ كانت حريرا محضا.

                                                                                                                              قال: وهو الصحيح، الذي يتعين القول به في هذا الحديث؛ جمعا بين الروايات. ولأنها هي المحرمة. أما المختلط من حرير وغيره: فلا يحرم؛ إلا أن يكون الحرير أكثر وزنا.

                                                                                                                              (وكان رجلا يغشى الملوك، ويصيب منهم. فقال عمر: يا رسول الله! إني رأيت عطاردا يقيم في السوق: حلة سيراء. فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب، إذا قدموا عليك! وأظنه قال: ولبستها يوم الجمعة. فقال له رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: إنما يلبس الحرير في الدنيا، من لا خلاق له في الآخرة). أي: لا نصيب له فيها. وقيل: من لا حرمة له. وقيل: من لا دين له.

                                                                                                                              قال النووي : فعلى الأول: يكون محمولا على الكفار. وعلى القولين الأخيرين: يتناول المسلم والكافر.

                                                                                                                              [ ص: 11 ] وفي هذا: دليل لتحريم الحرير على الرجال. انتهى. ومثله: حديث عمر - يرفعه - بلفظ: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه في الدنيا؛ فلن يلبسه في الآخرة". وهو متفق عليه. والظاهر: أنه كناية عن عدم دخول الجنة. وقد قال تعالى في أهلها: ولباسهم فيها حرير}. فمن لبسه في الدنيا؛ لم يدخل الجنة. روى ذلك النسائي، عن ابن الزبير، وأخرج عن ابن عمر: "أنه قال: والله! لا يدخل الجنة". وذكر الآية. وأخرج - أيضا - عن أبي سعيد: "أنه قال: وإن دخل الجنة؛ لم يلبسه". ويدل على ذلك: حديث الباب، وهو عند الشيخين.

                                                                                                                              ومن أدلة التحريم: حديث عقبة بن عامر؛ بلفظ: "لا ينبغي هذا للمتقين". وفيه: إرشاد إلى أن لابس الحرير؛ ليس من زمرة المتقين. وقد علم: وجوب الكون منهم. ومن ذلك، ما عند البخاري : "الحرير والديباج لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة". قال الشوكاني "رحمه الله": وإذا لم تفد هذه الأدلة التحريم؛ فما في الدنيا: محرم. وقد أجمع المسلمون على التحريم. وقال عياض: حكي عن قوم: إباحته للرجال والنساء.

                                                                                                                              وقال أبو داود : إنه لبس الحرير عشرون نفسا من الصحابة، أو أكثر. منهم: أنس، والبراء. ووقع الإجماع على أن التحريم مختص بالرجال، دون النساء. وخالف في ذلك: ابن الزبير؛ مستدلا بعموم الأحاديث. ولعله لم يبلغه المخصص.

                                                                                                                              [ ص: 12 ] (فلما كان بعد ذلك: أتي رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ بحلل سيراء، فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، وأعطى علي بن أبي طالب) رضي الله عنهم؛ (حلة. وقال: "شققها خمرا بين نسائك"). بضم الميم. ويجوز: إسكانها. جمع: "خمار"؛ وهو ما يوضع على رأس المرأة.

                                                                                                                              وفيه: دليل لجواز لبس النساء الحرير. قال النووي : وهو مجمع عليه. وقد تقدم: أنه كان فيه خلاف لبعض السلف، وزال.

                                                                                                                              (قال: فجاء عمر بحلته يحملها. فقال: يا رسول الله! بعثت إلي بهذه، وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت. فقال: "إني لم أبعث بها إليك لتلبسها. ولكني بعثت بها إليك لتصيب بها"). أي: لتنتفع بها. أي: تبيعها فتنتفع بثمنها؛ كما صرح به في الرواية الأخرى، بلفظ: "تبيعها وتصيب بها حاجتك". وفي آخر: "لتستمتع بها". وفي لفظ: "لتصيب بها مالا".

                                                                                                                              (وأما أسامة؛ فراح في حلته. فنظر إليه رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، نظرا؛ عرف أن رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، قد أنكر ما صنع. فقال: يا رسول الله! ما تنظر إلي؟ فأنت بعثت إلي بها. فقال: "إني لم أبعث إليك لتلبسها. ولكني بعثت بها إليك؛ لتشققها خمرا بين نسائك").

                                                                                                                              فيه: إباحة الحرير للنساء، وإباحة هديته، وإباحة ثمنه.

                                                                                                                              وفيه: صلة الأقارب والمعارف.




                                                                                                                              الخدمات العلمية