الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( والسنة أن لا تقام الجمعة بغير إذن السلطان فإن فيه افتئاتا عليه ، فإن أقيمت من غير إذنه جاز .

                                      لما روي " أن عليا رضي الله عنه صلى العيد وعثمان رضي الله عنه محصور " ولأنه فرض لله - تعالى - لا يختص بفعله الإمام فلم يفتقر إلى إذنه كسائر العبادات ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا المنقول عن علي وعثمان رضي الله عنهما صحيح رواه مالك الموطأ في باب صلاة العيد ، ورواه الشافعي في الأم بإسناده الصحيح ، وروى البيهقي عن الشافعي أنه قال في القديم : ولا يعلم عثمان أمره بذلك ( وقوله ) : ولأنه فرض لله احتراز من فسخ البيع وغيره بالعيب وغيره ( وقوله ) : لا يختص بفعله الإمام ، احتراز من إقامة الحد ، وقال القلعي : هو منتقض به وليس كما قال .

                                      ( أما حكم المسألة ) فقال الشافعي والأصحاب : يستحب أن لا تقام الجمعة إلا بإذن السلطان أو نائبه ، فإن أقيمت بغير إذنه ولا حضوره جاز وصحت هكذا جزم به المصنف والأصحاب ، ولا نعلم فيه خلافا ، عندنا إلا ما ذكره [ ص: 450 ] صاحب البيان ، فإنه حكى قولا قديما أنها لا تصح إلا خلف الإمام أو من أذن له الإمام ، وهذا شاذ ضعيف .

                                      ( فرع ) في مذاهب العلماء في اشتراط السلطان أو إذنه في الجمعة ذكرنا أن مذهبنا أنها تصح بغير إذنه وحضوره ، وسواء كان السلطان في البلد أم لا ، وحكاه ابن المنذر عن مالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وقال الحسن البصري والأوزاعي وأبو حنيفة : لا تصح الجمعة إلا خلف السلطان أو نائبه أو بإذنه ، فإن مات أو تعذر استئذانه جاز للقاضي ووالي الشرطة إقامتها ، ومتى قدر على استئذانه لا تصح بغير إذنه .

                                      واحتج له بأنها لم تقم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الآن إلا بإذن السلطان أو نائبه ، ولأن تجويزها بغير إذنه يؤدي إلى فتنة .

                                      واحتج أصحابنا بقصة عثمان وعلي المذكورة في الكتاب ، وهي صحيحة كما سبق ، وكان ذلك بحضرة جمهور الصحابة ، ولم ينكره أحد ، والعيد والجمعة سواء في هذا المعنى .

                                      وبالقياس على الإمامة في سائر الصلوات .

                                      ( والجواب ) عن احتجاجهم بما أجاب به الشيخ أبو حامد والماوردي والأصحاب بأن الفعل إذا خرج للبيان اعتبر فيه صفة الفعل لا صفات الفاعل ، ولهذا لا تشترط النبوة في إمام الجمعة ، وكون الناس في الأعصار يقيمون الجمعة بإذن السلطان لا يلزم منه بطلانها إذا أقيمت بغير إذنه .

                                      ( وقولهم ) : يؤدي إلى فتنة لا نسلمه ; لأن الافتئات المؤدي إلى فتنة إنما يكون في الأمور العظام ، وليست الجمعة مما تؤدي إلى فتنة .

                                      ( فرع ) قال الشافعي في الأم ومختصر المزني : تصح الجمعة خلف كل إمام صلاها من أمير ومأمور ومتغلب ، وغير أمير .

                                      قال الشيخ أبو حامد والماوردي والأصحاب : أراد بالأمير السلطان وبالمأمور نائبه ، وبالمتغلب الخارجي ، وبغير الأمير آحاد الرعية ، فتصح الجمعة خلف جميعهم ، ثم قال الشافعي بعد هذا : صلى علي وعثمان محصور ، فاعترض عليه بعض الحاسدين ، وقال : مقتضى كلامه أن عليا متغلب ، قال الشيخ أبو حامد والأصحاب : كذب هذا المعترض وجهل ; لأن الشافعي إنما مثل بذلك ليستدل لصحة الجمعة خلف غير الأمير والمأمور ، ومراده أن عليا لم يكن أميرا في حياة عثمان والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية