الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون

تفرع على الإنذار والتحذير من عواقب الشرك تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم على [ ص: 115 ] شريعته ووعد بأن يأتيه النصر كقوله واعبد ربك حتى يأتيك اليقين مع التعريض بالإرشاد إلى الخلاص من الشرك باتباع الدين القيم ، أي الحق . وهذا تأكيد للأمر بإقامة الوجه للدين في قوله فأقم وجهك للدين حنيفا فإن ذلك لما فرع في قوله أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وما اتصل من تسلسل الحجج والمواعظ فرع أيضا نظيره هذا على قوله قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل وقد تقدم الكلام على نظير قوله فأقم وجهك للدين وعلى معنى إقامة الوجه عند قوله فأقم وجهك للدين حنيفا .

و " القيم " بوزن فيعل ، وهي زنة تدل على قوة ما تصاغ منه ، أي الشديد القيام ، والقيام هنا مجاز في الإصابة لأن الصواب يشبه بالقيام ، وضده يشبه بالعوج ، وقد جمعهما قوله تعالى ولم يجعل له عوجا قيما فوصف الإسلام في الآية السابقة بالحنيف والفطرة ووصف هنا بالقيم . وبين أقم و " القيم " محسن الجناس .

والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر إعراض عن صريح خطاب المشركين . والمقصود التعريض بأنهم حرموا أنفسهم من اتباع هذا الدين العظيم الذي فيه النجاة . يؤخذ هذا التعريض من أمر النبيء عليه الصلاة والسلام بالدوام على الإسلام ومن قوله عقب ذلك يومئذ يصدعون الآية .

والمرد : مصدر ميمي من الرد وهو الدفع ، و " له " يتعلق به ، و " من الله " متعلق بـ " يأتي " و ( من ) ابتدائية ، والمراد باليوم يوم عذاب في الدنيا وأنه إذا جاء لا يرده عن المجازين به راد لأنه آت من الله . والظاهر أن المراد به يوم بدر .

و " يصدعون " أصله يتصدعون فقلبت التاء صادا لتقارب مخرجيهما لتأتي التخفيف بالإدغام . والتصدع : مطاوع الصدع ، وحقيقة الصدع : الكسر والشق ، ومنه تصدع القدح .

والمراد باليوم يوم الحشر . والتصدع : التفرق والتمايز . ويكون ضمير الجمع عائدا إلى جميع الناس ، أي يومئذ يفترق المؤمنون من الكافرين على نحو قوله تعالى ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون .

التالي السابق


الخدمات العلمية