الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل فيه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          136 133 - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه ) كذا ليحيى وحده وهذا خطأ بين منه وغلط بلا شك ، ولم يرو عروة عن فاطمة شيئا وإنما هو في الموطآت لهشام عن امرأته فاطمة ، وكذا كل من رواه عن هشام مالك وغيره قاله ابن عبد البر ( عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير ) بن العوام زوجة ابن عمها هشام الراوي عنها وكانت أسن منه بثلاث عشرة سنة روت عن جدتها وأم سلمة ، وعنها زوجها ومحمد بن إسحاق ومحمد بن سوقة ، وثقها العجلي وروى لها الجميع

                                                                                                          ( عن أسماء ابنة أبي بكر الصديق ) أسلمت قديما وهاجرت ، وروى عنها ابناها عبد الله وعروة وابن عباس وجماعة ، وماتت بمكة بعد ابنها عبد الله [ ص: 236 ] بقليل سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين وقد جاوزت المائة ولم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل ، وهي جدة هشام وفاطمة لأبويهما

                                                                                                          ( أنها قالت : سألت امرأة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) في رواية سفيان بن عيينة عن هشام عن فاطمة أن أسماء قالت : " سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه الشافعي قال الحافظ : وأغرب النووي فضعف هذه الرواية وهي صحيحة الإسناد لا علة لها ، ولا بعد في أن يبهم الراوي اسم نفسه كما في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب انتهى .

                                                                                                          وظهر لي أن مراد النووي بالضعف الشذوذ وهي مخالفة سفيان للحفاظ من أصحاب هشام لاتفاقهم على قولهم سألت امرأة فخالفهم سفيان فقال : إن أسماء قالت سألت ، وإلى هذا أشار البيهقي بقوله : الصحيح سألت امرأة فأشار إلى أن فاعل سألت سقط من روايته فأوهم أنها السائلة ، والشاذ ما خالف فيه الثقة الملأ أو ما انفرد به الراوي .

                                                                                                          وقال الرافعي : يمكن أن تعني في رواية مالك نفسها ، ويمكن أنها سألت عنه وسأل غيرها أيضا فترجع كل رواية إلى سؤال ، قال : وذكر البيهقي أن الصحيح سألت امرأة يعني بالإبهام ( فقالت : أرأيت ) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب أي أخبرني وحكمة العدول سلوك الأدب ويجب لهذه التاء إذا لم تتصل بها الكاف ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع ( إحدانا إذا أصاب ثوبها ) مفعول ( الدم ) بالرفع فاعل ( من الحيضة ) بفتح الحاء ، وفي رواية يحيى القطان عن هشام : جاءت امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : أرأيت إحدانا تحيض في الثوب ( كيف تصنع فيه ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة ) بفتح الحاء أي الحيض وقال الرافعي : يجوز الكسر وهي الحالة التي عليها المرأة ، ويجوز الفتح وهي المرة من الحيض قال وهذا أظهر انتهى .

                                                                                                          وظاهر كلام غيره أنه الرواية .

                                                                                                          ( فلتقرصه ) بضم الراء وتخفيفها رواه يحيى والأكثر ، ورواه القعنبي بكسر الراء وتشديدها ومعناه تأخذ الماء وتغمزه بأصبعها للغسل قاله الباجي ، وذكر الشيخ ولي الدين أن الرواية الأولى أشهر وأنه بالصاد المهملة على الروايتين وأنه يحتمل أن تقرصه بغير ماء إما مع اليبوسة أو ببل قليل لا يسمى غسلا ولا نضحا ، ويحتمل أن قوله الآتي بالماء متعلق بهما وهو الأظهر ; لأن في رواية أبي داود من طريق حماد بن زيد ، وحماد بن سلمة وعيسى بن يونس ثلاثتهم عن هشام : حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه انتهى بمعناه .

                                                                                                          والثاني قريب من المتعين لأن الروايات تبين بعضها وعليه أكثر [ ص: 237 ] الشراح .

                                                                                                          وفي فتح الباري بالفتح وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين كذا في روايتنا ، وحكى القاضي عياض وغيره الضم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة أي تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه انتهى .

                                                                                                          وقال النووي : معناه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل ولا يرد عليه أن تفسيره بالقطع مجاز ، إذ القطع إنما هو معنى القرض بالضاد المعجمة فلا حاجة إلى تفسيره بالقطع ثم تأويله بأن المراد أنها تحوزه وتجمعه في محل واحد كما توهم بعض أشياخي لأنه بالصاد المهملة بمعنى القطع أيضا قال أبو عبيد قرصته بالتشديد أي قطعته وفي المحكم في الصاد المهملة : المقرص المقطع المأخوذ بين شيئين وقد قرصته وقرصته يعني بالتخفيف والتثقيل .

                                                                                                          ( ثم لتنضحه بالماء ) بفتح الضاد المعجمة أي تغسله قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال وغيرهم .

                                                                                                          وقال القرطبي : المراد به الرش لأن غسل الدم استفيد من قوله " تقرصه " ، وأما النضح فهو لما شكت فيه من الثوب ، ورده الحافظ بأنه يلزم منه اختلاف الضمائر لأن ضمير " تنضحه " للثوب و " تقرصه " للدم وهو خلاف الأصل ، ثم إن الرش على المشكوك فيه لا يفيد شيئا لأنه إن كان طاهرا فلا حاجة إليه وإن كان نجسا لم يتطهر بذلك فالأحسن ما قاله الخطابي انتهى .

                                                                                                          لكن القرطبي بناه على مذهبه أنه إن شك في إصابة النجاسة لثوب وجب نضحه ويطهر بذلك ، والحافظ لم يجهل ذلك إنما قال : فالأحسن ليوافق الضمائر ولحمل الحديث على صورة متفق عليها

                                                                                                          ( ثم لتصل فيه ) بلام الأمر عطف على سابقه ، وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب النجس ، وجواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها للرجل فيما يتعلق بأحوال النساء ويستحي من ذكره والإفصاح بذكر ما يستقذر للضرورة ، وندب فرك النجاسة اليابسة ليهون غسلها ، وفيه كما قال الخطابي أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره لأن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا وهو قول الجمهور أي تعيين الماء لإزالة النجاسة .

                                                                                                          وعن أبي حنيفة وأبي يوسف يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ، ومن حجتهم حديث عائشة : " ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها " ولأبي داود : بلته بريقها

                                                                                                          وجه الحجة منه أنه لو كان الريق لا يطهر لزادت النجاسة ، وأجيب باحتمال أن تكون قصدت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك ذكره الحافظ .

                                                                                                          والحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ، وأبو داود عن القعنبي كلاهما عن مالك به ، ومسلم حدثني أبو الطاهر أخبرني ابن وهب ، قال : أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ، ومالك بن أنس ، وعمرو بن الحرث كلهم عن هشام به ، والبخاري ومسلم من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشام ، ومسلم أيضا من طريق وكيع ، وعبد الله بن نمير عن هشام ، فقد تابع مالكا عليه خمسة .




                                                                                                          الخدمات العلمية