الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى :( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : احتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية على أن تارك الصلاة يقتل ، قال : لأنه تعالى أباح دماء الكفار مطلقا بجميع الطرق ، ثم حرمها عند مجموع هذه الثلاثة ، وهي التوبة عن الكفر ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، فعندما لم يوجد هذا المجموع ، وجب أن يبقى إباحة الدم على الأصل .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : لم لا يجوز أن يكون المراد الإقرار بهما واعتقاد وجوبهما ؟ والدليل عليه أن تارك الزكاة لا يقتل .

                                                                                                                                                                                                                                            أجابوا عنه : بأن ما ذكرتم عدول عن الظاهر ، وأما في تارك الزكاة فقد دخله التخصيص .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : لم كان حمل التخصيص أولى من حمل الكلام على اعتقاد وجوب الصلاة والزكاة ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : لأنه ثبت في أصول الفقه أنه مهما وقع التعارض بين المجاز وبين التخصيص ، فالتخصيص أولى بالحمل .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : نقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول في مانعي الزكاة : لا أفرق بين ما جمع الله ، ولعل مراده كان هذه الآية ؛ لأنه تعالى لم يأمر بتخلية سبيلهم إلا لمن تاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، فأوجب مقاتلة أهل الردة لما امتنعوا من الزكاة وهذا بعد أن جحدوا وجوبها أما إن أقروا بوجوبها وامتنعوا من الدفع إليه خاصة ، فمن الجائز أنه كان يذهب إلى وجوب مقاتلتهم من حيث امتنعوا من دفع الزكاة إلى الإمام ، وقد كان مذهبه أن ذلك معلوم من دين الرسول عليه السلام كما يعلم سائر الشرائع الظاهرة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قد تكلمنا في حقيقة التوبة في سورة البقرة في قوله :( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ) [البقرة : 37] روى الحسن أن أسيرا نادى بحيث يسمع الرسول : أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد ثلاثا ، فقال عليه السلام : عرف الحق لأهله فأرسلوه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قوله :( فخلوا سبيلهم ) قيل إلى البيت الحرام ، وقيل إلى التصرف في مهماتهم( إن الله غفور رحيم ) لمن تاب وآمن ، وفيه لطيفة وهو أنه تعالى ضيق عليهم جميع الخيرات وألقاهم في جميع الآفات ، ثم بين أنهم لو تابوا عن الكفر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فقد تخلصوا عن كل تلك الآفات في الدنيا ، فنرجو من فضل الله أن يكون الأمر كذلك يوم القيامة أيضا فالتوبة عبارة عن تطهير القوة النظرية عن الجهل ، والصلاة والزكاة عبارة عن تطهير القوة العملية عما لا ينبغي وذلك يدل على أن كمال السعادة منوط بهذا المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية