الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
: لو حرك [ ص: 238 ] رأسه أو أدخله في موضع الغبار بنية التيمم جاز والشرط وجود الفعل منه ( ولو جنبا أو حائضا ) طهرت لعادتها ( أو نفساء بمطهر [ ص: 239 ] من جنس الأرض وإن لم يكن عليه نقع ) أي غبار ، فلو لم يدخل بين أصابعه لم يحتج إلى ضربة ثالثة للتخلل . وعن محمد يحتاج إليها ، نعم لو يمم غيره يضرب ثلاثا للوجه واليمنى واليسرى قهستاني ( وبه مطلقا ) عجز عن التراب أو لا ; لأنه تراب رقيق .

التالي السابق


( قوله طهرت لعادتها ) اعلم أنه قال في الظهيرية : وكما يجوز التيمم للجنب لصلاة الجنازة والعيد فكذلك يجوز للحائض إذا طهرت من الحيض إذا كان أيام حيضها عشرا ، وإن كان أقل فلا . ا هـ .

وقال في البحر : والذي يظهر أن هذا التفصيل غير صحيح ، بدليل ما اتفقوا عليه من أنه إذا انقطع لأقل من عشرة فتيممت لعدم الماء وصلت جاز للزوج وطؤها إلخ .

وأجاب في النهر بحمل ما في الظهيرية على ما إذا انقطع لأقل من عادتها ، لما سيأتي في الحيض من أنه حينئذ لا يحل قربانها وإن اغتسلت فضلا عن التيمم . ا هـ .

أقول : لا يخفى أن قول الظهيرية إذا كان أيام حيضها عشرا ظاهر في أن ذلك عادتها ، فهذا الحمل بعيد ، ثم ظهر لي بتوفيق الله تعالى أن كلام الظهيرية صحيح لا إشكال فيه .

وبيان ذلك أن التيمم لخوف فوت صلاة الجنازة أو العيد يصح مع وجود الماء ; لأنها تفوت لا إلى خلف كما يأتي ، وهذا في المحدث ظاهر ، وكذا في الجنب .

وأما الحائض فإذا طهرت لتمام العشرة فقد خرجت من الحيض ولم يبق معها سوى الجنابة فهي كالجنب . وأما إذا انقطع دمها لدون العشرة فلا تخرج من الحيض ما لم يحكم عليها بأحكام الطاهرات ، بأن تصير الصلاة دينا في ذمتها أو تغتسل أو تتيمم بشرطه كما سيأتي في بابه ، وقولهم أو تتيمم بشرطه أرادوا به التيمم الكامل المبيح لصلاة الفرائض ، وهو ما يكون عند العجز عن استعمال الماء .

وأما التيمم لصلاة الجنازة أو عيد خيف فوتها فغير كامل ; لأنه يكون مع حضور الماء ، لهذا لا تصح صلاة الفرض به ولا صلاة جنازة حضرت بعده ، فعلمنا بذلك أنها لو تيممت لذلك لم تخرج من الحيض ; لأن ذلك التيمم غير كامل . ولا يصح ذلك التيمم لقيام المنافي بعد وهو الحيض وعدم وجود شرطه وهو فقد الماء ، نعم لو تيممت لذلك مع فقد الماء حكم عليها بالطهارة وجازت صلاتها به من الفرائض وغيرها ; لأنه تيمم كامل ; ومراد الظهيرية التيمم الناقص ، وهو ما يكون مع وجود الماء ، فالتفصيل الذي ذكره في الحائض صحيح لا غبار عليه ، كأنه في البحر ظن أن مراده التيمم الكامل وليس كذلك كما لا يخفى .

بقي الكلام في عبارة الشارح ، فقوله طهرت لعادتها في غير محله ; لأن قول المصنف ولو جنبا أو حائضا مفروض في التيمم الكامل الذي يكون عند فقد الماء والحائض يصح تيممها عند فقد الماء إذا طهرت لتمام العشرة أو لدونها ، ويجب عليها أن تغتسل أو تتيمم عند فقد الماء سواء انقطع لتمام عادتها أو لدون عادتها كما سيأتي في بابه ، ويأتي فيه أنه إذا انقطع لتمام العادة يحل لزوجها قربانها كما لو انقطع لتمام العشرة ، وإن لدون عادتها لا يحل له قربانها ، فالتقييد بالعادة في كلام الشارح إنما يفيد بالنظر إلى القربان فقط ، فكان الواجب إسقاطه لإيهامه أنه لو كان لدون العادة لا يصح تيممها مع أنه يجب عليها إذا فقدت الماء لوجود الصلاة عليها كما علمت . والذي أوقعه عبارة النهر المبنية على ما فهمه صاحب النهر من كلام الظهيرية فافهم ( قوله بمطهر ) متعلق بتيمم ، ويجوز أن يتعلق بمستوعبا ، وجعله العيني صفة لضربتين فهو متعلق بمحذوف : أي ملتصقتين بمطهر نهر . [ ص: 239 ]

قلت : والأخير أولى ، لئلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد بمتعلق واحد ، إلا أن نجعل الباء في بضربتين للتعدية وفي بمطهر للملابسة أو بالعكس تأمل . وتعبيره بمطهر أولى من تعبيرهم بطاهر ، لإخراج الأرض المتنجسة إذا جفت كما قدمه الشارح .

وأما إذا تيمم جماعة من محل واحد فيجوز كما سيأتي في الفروع ; لأنه لم يصر مستعملا ، إذ التيمم إنما يتأدى بما التزق بيده لا بما فضل كالماء الفاضل في الإناء بعد وضوء الأول ، وإذا كان على حجر أملس فيجوز بالأولى نهر ( قوله من جنس الأرض ) الفارق بين جنس الأرض وغيره أن كل ما يحترق بالنار فيصير رمادا كالشجر والحشيش أو ينطبع ويلين كالحديد والصفر والذهب والزجاج ونحوها فليس من جنس الأرض ابن كمال عن التحفة ( قوله نقع ) بفتح فسكون كما قال تعالى { فأثرن به نقعا } ( قوله لم يحتج إلخ ) أي بل يخلل من غير ضربة ، وليس المراد أنه لا يخلل أصلا ; لأن الاستيعاب من تمام الحقيقة . قال الزيلعي : ويجب تخليل الأصابع إذا لم يدخل بينها غبار . وفي الهندية : والصحيح أنه لا يمسح الكف وضربها يكفي . أفاده ط .

أقول : والظاهر أن ما تحت الخاتم الواسع إن أصابه الغبار لا يلزم تحريكه وإلا لزم كالتخليل المذكور ( قوله وعن محمد يحتاج إليها ) ; لأن عنده لا يجوز التيمم بلا غبار فحيث لم يدخل بين الأصابع لا بد منها على قوله ( قوله وهو ) أي الغير ( قوله يضرب ثلاثا ) أي لكل واحد من الأعضاء ضربة ، وهذا نقله القهستاني عن العماني وهو كتاب غريب ، والمشهور في الكتب المتداولة الإطلاق ، وهو الموافق للحديث الشريف { التيمم ضربتان } إلا أن يكون المراد إذا مسح يد المريض بكلتا يديه ، فحينئذ لا شبهة في أنه يحتاج إلى ضربة ثالثة يمسح بها يده الأخرى ( قوله وبه مطلقا ) أي ويتيمم بالنقع مطلقا خلافا لأبي يوسف ; فعنده لا يتيمم به إلا عند العجز بحر ، ولا يجوز عنده إلا التراب والرمل نهر ، وما في الحاوي القدسي من أنه هو المختار غريب مخالف لما اعتمده أصحاب المتون رملي .




الخدمات العلمية