الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 462 ] في المنتقى : أنت طالق أربعا بألف فقبلت طلقت ثلاثا ، وإن قبلت الثلاث لم تطلق لتعليقه بقبولها بإزاء الأربع . أنت طالق على دخولك الدار توقف على القبول ، وعلى أن تدخلي الدار توقف على الدخول . قلت : فيطلب الفرق ، فإن " أن " والفعل بمعنى المصدر فتدبر . قال : خالعتك واحدة بألف وقالت : إنما سألتك الثلاث فلك ثلثها [ ص: 463 ] فالقول لها .

التالي السابق


( قوله : طلقت ثلاثا إلخ ) أي بألف فتح .

وفيه عن الخلاصة عن أبي يوسف : ولو قالت : طلقني أربعا بألف فطلقها ثلاثا فهي بألف ، ولو طلقها واحدة فبثلث الألف ا هـ أي لأنها إذا ابتدأت كان معاوضة لا تعليقا ، بخلاف ما إذا ابتدأ كما قلنا . مطلب في الفرق بين " على أن تدخلي " و " على دخولك وعلى أن تعطيني "

( قوله : قلت فيطلب الفرق إلخ ) وكذا يطلب الفرق بين على أن تدخلي الدار حيث توقف على الدخول وبين على أن تعطيني كذا حيث توقف على القبول مثل على دخولك الدار . وقد سئل عن هذه الفروع الثلاثة في البحر فلم يبد فرقا ، ونقل كلامه في النهر ، وسكت عليه . مطلب في الفرق بين المصدر الصريح والمؤول

ونقل في الدر المنتقى عن شرح اللباب : الفرق بين المصدر الصريح والمؤول صحة حمل الثاني على الجثة دون الأول أي فيصح : زيد إما أن يقوم وإما أن يقعد ، بخلاف : زيد إما قيام وإما قعود ، ولكن لم يظهر الفرق فيما نحن فيه كما قاله ح .

أقول : قد يظهر الفرق ولا بد من مقدمات : إحداها ما قاله السبكي في التعليقات : الفرق بين المصدر الصريح والمؤول مع اشتراكهما في الدلالة على الحدث أن موضوع الصريح الحدث فقط وهو أمر تصوري ، والمؤول يزيد عليه بالحصول إما ماضيا وإما حالا وإما مستقبلا إن كان إثباتا ، وبعدم الحصول في ذلك إن كان منفيا وهو أمر تصديقي ، ولهذا يسد " أن " والفعل مسد المفعولين لما بينهما من النسبة . ا هـ . ونقله السيوطي في الأشباه النحوية . ونقل أيضا أن المصدر الصريح غير مؤقت بخلاف المؤول ، فالصريح دال على الأزمنة الثلاثة دلالة مبهمة فهو عام ، بخلاف المؤول . وأيضا المؤول اسم تقديري غير ملفوظ به ، وإنما الملفوظ به حرف وفعل ، وله شبه بالمضمر ولذا لم يصح وصفه ، بخلاف الصريح فإنه يقال يعجبني ضربك الشديد ، بخلاف أن تضرب الشديد . ثانيها ما قدمناه عن المحقق ابن الهمام أن على تستعمل حقيقة للاستعلاء إن اتصلت بالأجسام ، وفي غيرها لمعنى اللزوم الصادق على الشرط المحض وعلى المعاوضة الشرعية ، أو العرفية ، وتترجح المعاوضة عند ذكر المعوض لأنها الأصل كما في التحرير .

ثالثها أن الطلاق يتعلق بالزمان دون المكان ونحوه . إذا علمت ذلك فنقول : إذا قال لها على أن تعطيني كذا فهو تعليق على فعل مستقبل صالح للمعاوضة فيشترط قبولها ليلزمها المال . فصار كأنه علقه على القبول إذ به يحصل غرضه من الطلاق بعوض فتطلق بالقبول وإن لم تعطه في الحال . بخلاف على أن تدخلي فإنه صالح للشرط المحض لعدم ما يفيد المعاوضة فتعين تعلقه بالدخول بلا توقف

[ ص: 463 ] على قبول إذ لا غرامة تلحقها ، وأما على دخولك الدار فليس فيه فعل يصلح جعله شرطا بل هو أمر تصوري لا يصلح جعله شرطا إلا بذكر فعل معه يدل على الحصول في أحد الأزمنة الثلاثة ليصير بمنزلة إن دخلت ، أو بتقدير الوقت كما في أنت طالق في دخولك الدار بقرينة " في " الظرفية ، إذ الطلاق لا يكون مظروفا في الدخول بل في زمانه ولا يحسن هنا تقدير الوقت لعدم ما يقتضيه لأن جعل " على " للمعاوضة يغني عنه بدون تكلف ، فإن العاقل قد يكون له غرض في جعل الدخول مثلا عوضا عن الطلاق ، هذا غاية ما ظهر من الفرق ، والله تعالى أعلم ( قوله : فالقول لها ) لأنها تنكر الزيادة على ثلث الألف فتصدق . قال في البحر مع يمينها ، فإن أقاما البينة فالبينة بينة الزوج . ا هـ .




الخدمات العلمية