الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1465 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا قبيصة عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنا نرسل كلابا لنا معلمة قال كل ما أمسكن عليك قلت يا رسول الله وإن قتلن قال وإن قتلن ما لم يشركها كلب غيرها قال قلت يا رسول الله إنا نرمي بالمعراض قال ما خزق فكل وما أصاب بعرضه فلا تأكل حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور نحوه إلا أنه قال وسئل عن المعراض قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          2409 قوله : ( إنا نرسل كلابا لنا معلمة ) المراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته ، وإذا زجرها انزجرت ، وإذا أخذ الصيد حبسته على صاحبها ، وهذا الثالث مختلف في اشتراطه . واختلف متى يعلم ذلك منها ، فقال البغوي في التهذيب : أقله ثلاث مرات . وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين . وقال الرافعي : لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف كذا في الفتح ( كل ما أمسكن عليك ) وفي رواية للبخاري : إذا أرسلت كلبك وسميت فكل . قلت : فإن أكل ، قال : " فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه . وفي رواية أخرى له إذا أرسلت كلابك وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك وإن قتلن ، [ ص: 30 ] إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه . قال الحافظ : وفيه تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب منه ولو كان الكلب معلما . وقد علل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه ، وهذا قول الجمهور ، وهو الراجح من قولي الشافعي . وقال في القديم : وهو قول مالك ، ونقل عن بعض الصحابة يحل ، واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال : يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها ، قال : " كل مما أمسكن عليك " ، قال وإن أكل منه قال : " وإن أكل منه " . أخرجه أبو داود ولا بأس بسنده .

                                                                                                          وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه ، ومنها الترجيح ، فرواية عدي في الصحيحين متفق على صحتها ، ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها ، وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم ، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى : فكلوا مما أمسكن عليكم فإن مقتضاها أن الذي يمسكه من غير إرسال لا يباح . ويتقوى أيضا بالشاهد من حديث ابن عباس عند أحمد : إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه ، وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل ، فإنما أمسك على صاحبه ، وأخرجه البزار من وجه آخر عن ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع نحوه بمعناه .

                                                                                                          ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث عدي على كراهة التنزيه . وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز انتهى " وإن قتلن ما لم يشركها كلب من غيرها " وفي رواية للبخاري قلت : أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر ، قال " لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على الآخر " . وفيه أنه لا يحل أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده . قال الحافظ ; محله إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الزكاة ، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الزكاة حل ، ثم ينظر فإن أرسلاهما معا فهو لهما وإلا فللأول ، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله : إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره ، فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمى على الكلب لحل ( إنا نرمي بالمعراض ) بكسر الميم وسكون العين المهملة وآخره معجمة ، قال الخليل وتبعه جماعة : سهم لا ريش له ولا نصل . وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده : سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمي به اعترض . وقال الخطابي : المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة ، وقيل : عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالخذافة ، وقيل : خشبة ثقيلة آخرها عصا [ ص: 31 ] محدد رأسها وقد لا يحدد ، وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض . وقال القرطبي : إنه المشهور . وقال ابن التين : المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي الصائد بها الصيد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل ، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ ، كذا في الفتح ( ما خزق ) بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف ، أي نفذ يقال سهم خازق أي نافذ ( وما أصاب بعرضه ) بفتح العين أي بغير طرفه المحدد ، وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور . وعن الأوزاعي من فقهاء الشام حل ذلك .

                                                                                                          قوله : ( وهذا حديث حسن صحيح ) أصله في الصحيحين .




                                                                                                          الخدمات العلمية