الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل [ ص: 515 ] ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: فما لكم في المنافقين فئتين اختلف فيمن نزلت هذه الآية بسببه على خمسة أقاويل: أحدها: أنها نزلت في الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وقالوا: لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، وهذا قول زيد بن ثابت. والثاني: أنها نزلت في قوم قدموا المدينة فأظهروا الإسلام ، ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد. والثالث: أنها نزلت في قوم أظهروا الإسلام بمكة وكانوا يعينون المشركين على المسلمين ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة . والرابع: أنها نزلت في قوم من أهل المدينة أرادوا الخروج عنها نفاقا ، وهذا قول السدي. والخامس: أنها نزلت في قوم من أهل الإفك ، وهذا قول ابن زيد. وفي قوله تعالى: والله أركسهم بما كسبوا خمسة تأويلات: أحدها: معناه ردهم ، وهذا قول ابن عباس . والثاني: أوقعهم ، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا. والثالث: أهلكهم ، وهذا قول قتادة. والرابع: أضلهم ، وهذا قول السدي. والخامس: نكسهم ، وهذا قول الزجاج. أتريدون أن تهدوا من أضل الله فيه قولان: أحدهما: أن تسموهم بالهدى وقد سماهم الله بالضلال عقوبة لهم. والثاني: تهدوهم إلى الثواب بمدحهم والله قد أضلهم بذمهم. [ ص: 516 ]

                                                                                                                                                                                                                                        إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أي يدخلون في قوم بينكم وبينهم أمان فلهم منه مثل ما لكم.

                                                                                                                                                                                                                                        قال عكرمة: نزلت في الهلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن جعثم، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف. قال الحسن: هؤلاء بنو مدلج كان بينهم وبين قريش عهد، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم [وقريش] عهد، فحرم الله من بني مدلج ما حرم من قريش. أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم معنى حصرت أي ضاقت، ومنه حصر العدو وهو الضيق ومنه حصر العداة لأنهم قد ضاقت عليهم مذاهبهم. ثم فيه قولان: أحدهما: أنه إخبار من الله عنهم بأن صدورهم حصرت. والثاني: أنه دعاء من الله عليهم بأن تحصر صدورهم، وهذا قول أبي العباس. ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم وفي تسليطهم قولان: أحدهما: بتقوية قلوبهم. والثاني: بالإذن في القتال ليدفعوا عن أنفسهم. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فيه قولان: أحدهما: الصلح، وهو قول الربيع. والثاني: الإسلام، وهو قول الحسن . فما جعل الله لكم عليهم سبيلا قال الحسن، وقتادة وعكرمة : هي منسوخة بقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5] . قوله تعالى: ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم هم [ ص: 517 ]

                                                                                                                                                                                                                                        قوم يظهرون لقومهم الموافقة ليأمنوهم، وللمسلمين الإسلام ليأمنوهم، وفيهم أربعة أقاويل: أحدها: أنهم أهل مكة، وهذا قول مجاهد. والثاني: أنهم من أهل تهامة، وهذا قول قتادة. والثالث: قوم من المنافقين، وهذا قول الحسن . والرابع: أنه نعيم بن مسعود الأشجعي. وهذا قول السدي. كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها أي كلما ردوا إلى المحنة في إظهار الكفر رجعوا فيه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية