الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في تعجيل الزكاة

                                                                      1623 حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب على الصدقة فمنع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله وأما خالد بن الوليد فإنكم تظلمون خالدا فقد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله وأما العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي علي ومثلها ثم قال أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب أو صنو أبيه [ ص: 20 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 20 ] ( عمر بن الخطاب ) : ساعيا ( على الصدقة ) : وهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة ( منع ابن جميل ) : أي منعوا الزكاة ولم يؤدوها إلى عمر ، قال في الفتح : ابن جميل هذا لم أقف على اسمه في كتب الحديث وقال القاضي حسين : اسمه عبد الله ( ما ينقم ) : بكسر القاف أي ما ينكر نعمة الله أو يكره ( فأغناه الله ) : وفي رواية البخاري : أغناه الله ورسوله ، وإنما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه ، لأنه كان سببا لدخوله في الإسلام ، فأصبح غنيا بعد فقره ، بما أفاء الله وأباح لأمته من الغنائم . وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم ، لأنه إذا لم يكن له عذر إلا ما ذكر من أن الله أغناه فلا عذر له .

                                                                      وفيه التعريض بكفران النعم وتفريع بسوء الصنيع في مقابلة الإحسان ( فإنكم تظلمون خالدا ) : والمعنى إنكم تظلمونه بطلبكم الزكاة منه ، إذ ليس عليه زكاة لأنه ( فقد احتبس ) : أي وقف قبل الحول ( أدراعه ) : جمع درع الحديد ( وأعتده ) : بضم المثناة الفوقية جمع عتد بفتحتين هو ما يعده الرجل من الدواب والسلاح . وقيل : الخيل خاصة .

                                                                      قال في النيل : ومعنى ذلك أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنا منهم أنها للتجارة وأن الزكاة فيها واجبة فقال لهم : لا زكاة علي ، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن خالدا منع الزكاة فقال : إنكم تظلمونه لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها ، فلا زكاة فيها . ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعا فكيف يشح بواجب عليه . واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة ، وبه قال جمهور السلف [ ص: 21 ] والخلف خلافا لداود . وفيه دليل على صحة وقف المنقول ، وبه قالت الأمة بأسرها إلا أبا حنيفة وبعض الكوفيين ( فهي علي ومثلها ) : معها ومما يقوي أن المراد بهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرهم أنه تعجل من العباس صدقة عامين ، ما أخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعمر : إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول قال الخطابي : في صدقة العباس - رضي الله عنه - هي علي ومثلها ، فإنه يتأول على وجهين : أحدهما أنه كان يسلف منه صدقة سنتين فصارت دينا عليه ، وفي ذلك دليل على جواز تعجيل الصدقة قبل محلها ، وقد اختلف العلماء في ذلك ، فأجاز كثير منهم تعجيلها قبل أوان محلها ، ذهب إليه الزهري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ، وكان مالك بن أنس لا يرى تعجيلها عن وقت محلها .

                                                                      ويروى عن الحسن البصري أنه قال : إن للصلاة وقتا وللزكاة وقتا ، فمن صلى قبل الوقت أعاد ومن زكى قبل الوقت أعاد . والوجه الآخر هو أن يكون قد قبض - صلى الله عليه وآله وسلم - منه صدقة ذلك العام الذي شكاه فيها العامل وتعجل صدقة العام الثاني ، فقال : هي ومثلها أي الصدقة التي قد حلت وأنت تطالبه بها مع مثلها من صدقة عام واحد ( أن عم الرجل صنو الأب ) : أي مثله تفضيلا له وتشريفا ويحتمل [ ص: 22 ] أن يكون تحمل عنه بها فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة كما هو أحد قولي الشافعي . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية