الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سدرة المنتهى

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى [ النجم : 13 - 18 ] . وذكرنا في " التفسير " أنه غشيها نور الرب ، جل جلاله ، وأنه غشيتها الملائكة مثل الغربان ، يعني كثرة ، وأنه غشيها فراش من ذهب ، وغشيتها ألوان متعددة ; كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فغشيها ألوان لا أدري ما هي " ، " ما يستطيع أحد أن ينعتها " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " الصحيحين " عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث المعراج : " ثم رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة ، فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وورقها مثل آذان [ ص: 310 ] الفيلة ، وإذا يخرج من ساقها نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، فقلت : يا جبريل ، ما هذا ؟ قال : أما الباطنان ففي الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى ، فقال : " يسير في ظل الفنن منها الراكب مائة سنة " . أو قال : " يستظل في ظل الفنن منها مائة راكب ، فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القلال " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني حمزة بن العباس ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا صفوان بن عمرو ، عن سليم بن عامر ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن الله تعالى لينفعنا بالأعراب ومسائلهم . قال : أقبل أعرابي يوما ، فقال : يا رسول الله ، ذكر الله تعالى في الجنة شجرة مؤذية ، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما هي ؟ " قال : السدر ، فإن له شوكا مؤذيا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله تعالى يقول : في سدر مخضود [ الواقعة : 28 ] خضد الله تعالى شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها [ ص: 311 ] لتنبت ثمرا تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من طعام ، ما فيه لون يشبه الآخر " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي هذا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر ; فقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا محمد بن المبارك ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثنا ثور بن يزيد ، حدثنا حبيب بن عبيد ، عن عتبة بن عبد السلمي قال : كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : يا رسول الله ، أسمعك تذكر شجرة في الجنة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها - يعني الطلح - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خضد شوكه فجعل الله مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود ، فيها سبعون لونا من الطعام ، لا يشبه لون آخر " . الملبود هو الذي قد تلبد صوفه بعضه على بعض .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية