الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو طلع الفجر ) الصادق ( وفي فمه طعام فلفظه ) قبل أن ينزل منه شيء لجوفه بعد الفجر أو بعد أن نزل منه لكن بغير اختياره أو أبقاه ولم ينزل منه شيء لجوفه بعد الفجر ولا يعذر هنا بالسبق لتقصيره بإمساكه كما لو وضعه بفمه نهارا ( صح صومه ) لعدم المنافي ( وكذا لو كان مجامعا ) عند ابتداء طلوع الفجر ( فنزع في الحال ) أي : عقب طلوعه فلا يفطر وإن أنزل ؛ لأن النزع ترك للجماع ومن ثم اشترط أن يقصد به تركه وإلا بطل كما قاله جمع متقدمون [ ص: 413 ] وقيد الإمام ذلك بما إذا ظن عند ابتداء الجماع أنه بقي ما يسعه فإن ظن أنه لم يبق ذلك أفطر وإن نزع مع الفجر لتقصيره وقد حكى الرافعي في جوازه إذا لم يبق إلا ما يسع الإيلاج دون النزع وجهين وينبغي بناء ما قاله الإمام على الوجه المحرم وهو الأحوط الذي صدر به الرافعي ( فإن مكث ) بأن لم ينزع حالا ( بطل ) يعني لم ينعقد كما صححه في المجموع وعجيب اختيار السبكي لظاهر المتن مع قول الإمام أنه خيال ومحال والبندنيجي كشيخه أبي حامد من قال به لا يعرف مذهب الشافعي .

                                                                                                                              ومع القول بالأول تلزمه الكفارة ؛ لأنه لما منع الانعقاد بمكثه كان بمنزلة المفسد له بالجماع فإن قلت ينافي هذا عدم وجوب الكفارة فيما لو أحرم مجامعا مع أنه منع الانعقاد أيضا قلت يفرق بأن وجوب الكفارة هنا أقوى منها ثم كما يعلم من كلامهم في البابين وأيضا فالتحلل الأول لما أثر فيها النقص مع بقاء العبادة فلأن يؤثر فيها عدم الانعقاد عدم الوجوب من باب أولى أما لو مضى زمن بعد طلوعه ثم علم به ثم مكث فلا كفارة ؛ لأن مكثه مسبوق ببطلان الصوم ولا ينافي العلم بأول طلوعه تقدمه على علمنا به ؛ لأنا لا نكلف بذلك بل بما يظهر لنا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن وفي فمه طعام فلفظه ) قال في شرح الروض وخرج بقوله فلفظه ما لو أمسكه في فيه فإنه وإن صح صومه لكنه لا يصح مع سبق شيء منه إلى جوفه كما لو وضعه في فيه نهارا فسبق منه شيء إلى جوفه كما علم مما مر ا هـ . وقوله كما لو وضعه أي : الطعام في فيه ؛ لأنه وضع بلا غرض ؛ إذ لا غرض في وضع الطعام في فيه نهارا فلا يلزم من الفطر بالسبق هنا القول بمثله فيما لو وضع درهما بفمه لغرض نحو حفظه فنزل إلى جوفه بل يحتمل الفرق .

                                                                                                                              ( قوله ولا يعذر هنا بالسبق إلخ ) يتأمل مع قوله السابق فجرى به ريقه لم يفطر إلخ مع تقييد الشارح العجز بقوله نهارا وإن أمكنه ليلا إلا أن يفرق بين ما في الفم وبين ما بقي بين الأسنان وفيه نظر ، ولعل الأولى أن يقال الكلام هناك في جريان الريق به هذا لا يوافق ما تقدم عن فتوى شيخنا الشهاب الرملي أن المراد العجز حال الجريان قبل أن يمضي بعد الفجر زمن يتمكن فيه من تمييزه ومجه وهنا في سبق بعد مضي زمن بعد الفجر تمكن فيه من لفظه ولم يفعل .

                                                                                                                              ( قوله ولا يعذر هنا بالسبق ) قد يشكل بما تقدم فيما لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه وعجز عن تمييزه ومجه أي : حال جريانه كما تقدم عن فتوى شيخنا من أنه لا فطر بذلك مع أنه من قبيل السبق إلا أن يفرق بأن العذر هناك أظهر ؛ لأن تنقية الأسنان من الطعام قد تشق وقد لا يشعر ببقاء الطعام بينها ولا كذلك الطعام في الفم أو يقيد الفطر بالسبق هنا بما إذا قدر حال السبق على تمييزه ومجه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله ولا يعذر هنا بالسبق ) أي ويعذر بالنسيان أخذا مما تقدم عن العباب وشرحه فيمن وضع شيئا بفيه عمدا ثم ابتلعه ناسيا لكن الوجه أن النسيان هنا كالسبق ويفرق بأن الوضع ثم لغرض كما تقدم والإمساك هنا بلا غرض ؛ إذ لا غرض في إمساك الطعام بفمه نهارا .

                                                                                                                              ( قوله كما لو وضعه بفمه نهارا ) يحتمل أن يستثنى ما لو وضعه [ ص: 413 ] بقدر العادة للحاجة ( قوله على الوجه المحرم ) اعتمده م ر ( قوله في المتن فإن مكث بطل ) نعم إن استدام بظن أن صومه بطل وإن نزع فلا كفارة عليه ؛ لأنه لم يقصد هتك الحرمة كما اقتضاه كلامهم وصرح به الماوردي والروياني شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله قلت يفرق إلخ ) ويفرق بأن النية هنا متقدمة على طلوع الفجر فكأن الصوم انعقد ثم فسد بخلافها ثم بخلاف استمرار معلق الطلاق بالوطء لا يجب فيه المهر والفرق أن ابتداء فعله لا كفارة فيه فتعلقت بآخره لئلا يخلو جماع نهار رمضان عنها والوطء ثم غير خال عن مقابلة المهر ؛ إذ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت شرح م ر ( قوله أما لو مضى زمن بعد طلوعه ثم علم به إلخ ) حاصل هذا الكلام أن مدار البطلان على المكث بعد الطلوع وإن لم يعلم به ومدار وجوب الكفارة على المكث بعده مع العلم به .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله الصادق ) إلى قوله وقد حكي في النهاية وكذا في المغني إلا قوله ولا يعذر إلى المتن قول المتن ( فلفظه ) خرج به ما لو أمسكه في فيه فإنه وإن صح صومه لكنه لا يصح مع سبق شيء منه إلى جوفه كما لو وضعه في فيه نهارا فسبق منه شيء إلى جوفه كما علم مما مر شرح الروض و ( قوله كما لو وضعه بفمه إلخ ) أي : ؛ لأنه وضع بلا غرض ؛ إذ لا غرض في وضع الطعام في فيه نهارا فلا يلزم من الفطر بالسبق هنا القول بمثله فيما لو وضع درهما بفمه لغرض نحو حفظه فنزل إلى جوفه بل يحتمل الفرق سم عبارة النهاية ولو أمسكه في فيه فكما لو لفظه لكنه لو سبقه شيء منه إلى جوفه أفطر كما لو وضعه في فيه نهارا فسبق إلى جوفه كما مر ا هـ قال ع ش قوله م ر كما مر أي : في قوله م ر كأن جعل الماء في فمه أو أنفه إلخ وعليه فيقيد ما هنا بما لو وضعه في فيه بلا غرض وحينئذ فلا تخالف بين ما ذكره الشارح وما ذكره الشيخ في شرح منهجه لحمل ما فيه على ما لو وضعه لغرض ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولا يعذر هنا بالسبق ) أي ويعذر بالنسيان أخذا مما تقدم عن العباب وشرحه فيمن وضع بفيه عمدا ثم ابتلعه ناسيا لكن الوجه أن النسيان هنا كالسبق ويفرق بأن الوضع ثم لغرض كما تقدم والإمساك هنا بلا غرض ؛ إذ لا غرض في إمساك الطعام بفمه نهارا سم .

                                                                                                                              ( قوله أي : عقب طلوعه إلخ ) أي : لما علم به وأولى من ذلك بالصحة أن يحس وهو مجامع تباشير الصبح فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع نهاية ومغني ( قوله أن يقصد به تركه ) أي : يقصد بنزعه ترك الجماع لا التلذذ نهاية قال ع ش قضيته أنه لو لم يقصد شيئا لم يصح [ ص: 413 ] صومه وقضية قوله م ر لا التلذذ خلافه ويمكن أن المراد بالتلذذ ما عدا قصد الترك فيدخل فيه حالة الإطلاق استصحابا لما هو مقصوده من الجماع فيبطل صومه ا هـ أقول قول الشارح وإلا بطل كقول المغني فإن لم يقصده بطل صومه كالصريح في أن الإطلاق مبطل وعبارة الحفني فالإطلاق مضر كما يضر قصد اللذة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقيد الإمام ذلك ) أي عدم الإفطار فيما إذا نزع في الحال ( قوله فإن ظن أنه إلخ ) مفهومه وقضية التعليل بالتقصير أنه إذا تردد لا يفطر أي لأن الأصل بقاء الليل بل قد يؤخذ من قول المصنف المار قلت وكذا لو شك وليراجع ( قوله فيما إذا لم يبق ) أي : من الليل ( قوله وجهين ) عن ابن خيران منع الإيلاج أي وهو الظاهر وعن غيره جوازه مغني ( قوله بناء إلخ ) فاعل ينبغي .

                                                                                                                              ( قوله على الوجه المحرم ) اعتمده م ر ا هـ سم ( قوله صدر به الرافعي ) أي : وشرح المنهج ( قوله يعني لم ينعقد ) كذا في النهاية والمغني .

                                                                                                                              ( قوله لظاهر المتن ) أي من الفساد بعد الانعقاد ( قوله ومع القول بالأول إلخ ) نعم إن استدام لظن أن صومه بطل وإن نزع فلا كفارة عليه ؛ لأنه لم يقصد هتك الحرمة كما اقتضاه كلامهم وصرح به الماوردي والروياني شرح م ر ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله قلت يفرق إلخ ) ويفرق أيضا بأن النية هنا متقدمة على طلوع الفجر فكأن الصوم انعقد ثم فسد بخلافها ثم نهاية ( قوله منها ) أي : من وجوب الكفارة فكان الأولى التذكير ( قوله لما أثر فيها النقص ) أي : بأن لم تجب البدنة بل الشاة كما يأتي كردي ( قوله عدم الانعقاد ) فاعل يؤثر و ( قوله عدم الوجوب ) مفعوله ( قوله أما لو مضى ) إلى الفصل في النهاية والمغني ( قوله أما لو مضى زمن بعد طلوعه إلخ ) حاصل هذا الكلام أن مدار البطلان على المكث بعد الطلوع وإن لم يعلم به ومدار وجوب الكفارة على المكث بعده مع العلم به سم على حج ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ثم مكث ) أي : أو نزع حالا نهاية ومغني ( قوله ولا ينافي إلخ ) عبارة المغني والنهاية فإن قيل كيف يعلم بأول طلوع الفجر ؛ لأن طلوعه الحقيقي متقدم على علمنا به أجيب بأنا إنما تعبدنا بما نطلع عليه ولا معنى للصبح إلا طلوع الضوء للناظر وما قبله لا حكم له فإذا كان الشخص عارفا بالأوقات ومنازل الفجر ورصد بحيث لا حائل فهو أول الصبح المعتبر ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية