الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد رد الله (تعالى) عليهم أن أخذوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فقير يمشي في الأسواق؛ فقال: تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا تبارك ؛ أي: تكاثرت وتسامت بركة الله (تعالى) على أوليائه؛ وعلى المرسلين من عباده؛ وعلى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين؛ إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ؛ علقه - سبحانه وتعالى - على مشيئته التي تكون على مقتضى حكمته؛ جعل لك خيرا مما يتباهون به؛ وينتقضون رسالتك؛ لأنها لم تكن ذات كنوز؛ ولا حدائق؛ و " خيرا " ؛ مفعول؛ و " جنات " ؛ بدل من " خيرا " ؛ وبادر النص بالخيرية لإثبات أن الله (تعالى) قادر على إعطاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ما هو أعظم زينة؛ والخيرية هنا هي خير المظهر؛ والنعيم الدنيوي؛ وأما ما هو خير عند الله (تعالى) جزاء معنويا وماديا؛ فإنه في الآخرة.

                                                          ويجعل لك ؛ معطوف على " جعل " ؛ والجزم على محل " جعل " ؛ لأن " جعل " ؛ جواب الشرط فمحله الجزم؛ فيكون العطف عطف مجزوم على مجزوم؛ و " القصور " ؛ هي مساكن عطاء الدنيا؛ التي يتباهى بجمالها؛ ومتانة بنيانها؛ وزخارفها؛ وطنافسها.

                                                          ولكن الله (تعالى) لم يشأ لأنبيائه زخارف الحياة؛ ولكن اختار لهم مشقة الحياة [ ص: 5255 ] وأن يعيشوا على الكفاف؛ لأنه حيث كان القل من العيش كان الإخلاص والاتجاه الكامل إلى الله (تعالى)؛ لا يشغله عنه شاغل من متع هذه الحياة؛ ولقد كان محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما روي عنه؛ يقول: " اللهم أحيني مسكينا؛ وأمتني مسكينا؛ واحشرني في زمرة المساكين " ؛ ولأن الأنبياء قادة الخليقة إلى الله (تعالى)؛ فيجب أن يكونوا قريبين من أضعف الناس؛ لا يتجافون عنهم في مظهر؛ ولا عرض من أعراض الدنيا؛ ولأنهم يتجهون إلى معالي الأمور؛ ولا يتجهون إلى سفسافها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية