الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا .

                                                                                                                                                                                                                                      بين تعالى المراد بالروح بأنه جبريل - عليه السلام - في قوله : فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا [ 19 \ 17 ] ، وهو جبريل .

                                                                                                                                                                                                                                      كما في قوله : نزل به الروح الأمين أي نزل جبريل بالقرآن ، وفي هذه الآية رد على النصارى استدلالهم بها على أن عيسى - عليه السلام - ابن الله ومن روحه تعالى ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وبيان هذا الرد أن قوله تعالى : فأرسلنا إليها روحنا تعدية أرسل بنفسه يدل على أن الذي أرسل يمكن إرساله بنفسه ، وهو فرق عند أهل اللغة ، بينما يرسل نفسه وما يرسل مع غيره كالرسالة والهدية ، فيقال فيه : أرسلت إليه بكذا ، كما في قوله : وإني مرسلة إليهم بهدية الآية [ 27 \ 35 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فالهدية لا ترسل بنفسها ، ومثله بعثت ، تقول : بعثت البعير من مكانه ، وبعثت مبعوثا ، وبعثت برسالة ، ثانيا قوله : فتمثل لها لفظ الروح مؤنث ، كما في قوله تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون [ 56 \ 83 - 84 ] ، أنث الفعل في بلغت ، وهنا الضمير مذكر عائد لجبريل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فتمثل لها بشرا سويا ، ولو أنه من روح الله على ما ذهب إليه النصارى ، لما كان في حاجة إلى هذا التمثيل .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 226 ] ثالثا قوله لها : إنما أنا رسول ربك [ 19 \ 19 ] ورسول ربها هو جبريل - عليه السلام - وليس روحه تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      رابعا : قوله : لأهب لك غلاما زكيا [ 19 \ 19 ] ، ولم يقل لأهب لك روحا من الله .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن هذا أيضا قوله تعالى للملائكة : إني خالق بشرا من طين [ 38 \ 71 ] يعني آدم عليه السلام : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي [ 15 \ 29 ] ، أي : نفخت فيه الروح التي بها الحياة : فقعوا له ساجدين [ 15 \ 29 ] . فلو أن الروح من الله لكان آدم أولى من عيسى ; لأنه لم يذكر إرسال رسول له ، وقد قال تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [ 3 \ 59 ] ، فكذلك عيسى - عليه السلام - لما بشرتها به الملائكة : قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ 3 \ 47 ] ، فكل من آدم وعيسى ، قال له تعالى : كن فكان والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية