الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ولا يعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه )

                                                                                                                            ش : الظفر بضم الظاء المعجمة المشالة وضم الفاء على اللغة الفصحى وبها جاء القرآن ، وفيه لغة ثانية بكسر الظاء وإسكان الفاء ، وفيه لغة ثالثة بضم الظاء وسكون الفاء ، وفيه لغة رابعة وهي أظفور على وزن عصفور وقوله : قلم مقتضى كلام الصحاح أنه مع الظفر الواحد بتخفيف اللام . قال : فيها قلمت ظفري وقلمت أظفاري يشدد للكثرة انتهى . وقال الفاكهاني في باب ما يفعل بالمحتضر قال في الصحاح : يقال : قلمت ظفري يريد بالتخفيف ، وقال في [ ص: 215 ] المحكم : قلم ظفره يقلمه قلما وقلمه ، فظاهر كلام صاحب المحكم أنه يقال بالتخفيف والتشديد مع الظفر الواحد والمعنى أن من توضأ ثم قلم أظفاره بعد الوضوء أو حلق شعر رأسه فإنه لا يعيد غسل موضع الأظفار ولا يعيد مسح رأسه .

                                                                                                                            وقاله مالك في المدونة ونصها على اختصار صاحب الطراز . قال مالك فيمن توضأ ثم حلق رأسه : إنه ليس عليه أن يمسحه ثانية ، وكذلك قال فيمن قلم أظفاره بعد ما توضأ . قال ابن القاسم بعد كلام مالك : وبلغني عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه قال : هذا من لحن الفقه واختلف الشيوخ في مراده ، ونحوه لابن يونس وغيره من المختصرين ، وأسقط البراذعي في اختصاره تقليم الأظافر واختلف الشيوخ في مراده فإن اللحن بفتح الحاء المهملة معناه الصواب وأصله الفطنة ، وبسكونها معناه الخطأ ونقل صاحب الجمع عن ابن راشد أنه قد يطلق بالسكون على الصواب وهذا يفهم من قول صاحب الطراز أن اللحن من الأضداد ، يطلق على الصواب وعلى الخطأ فإن اللفظ إنما يكون من الأضداد إذا كان يطلق على المعنيين المتضادين بلفظ واحد فتأمله .

                                                                                                                            وقال عبد الحق : قول ابن أبي سلمة هذا من لحن الفقه فيه تأويلان فقيل : يعني من صواب الفقه ، وقيل : يعني من خطأ الفقه .

                                                                                                                            قال صاحب الطراز : وإذا قيل : المراد من صواب الفقه يحتمل أن تكون الإشارة إلى جواب مالك أو إلى الفعل أي أنه صواب ممن فعله يعني إعادة المسح وغسل الأظفار ، وكذلك إذا قيل : المراد من خطأ الفقه . غير أن الأشبه بعلم الرجل أنه عاب فعل ذلك انتهى . ونحوه لابن بشير وكذا قال في النكت أنه إن أريد به الصواب فهو إشارة إلى قولنا أنه لا يعيد ، وإن أريد به الخطأ فهو إشارة إلى قول من قال عليه الإعادة وهذا كله بناء على أن عبد العزيز بن أبي مسلمة موافق لمالك وهو الذي يفهم من كلام صاحب الطراز فإنه قال بعد كلام مالك : هذا قول أهل العلم لا نعلم فيه مخالفا إلا ابن جرير الطبري والذي تأوله عليه القاضي عبد الوهاب في إشراقه أنه مخالف لمالك وقال في التنبيهات : رويناه بسكون الحاء وكتبت من أصل الشيخ قال سحنون : معناه من خطأ الفقه وهذا هو الصواب لا غير ، ولا يلتفت إلى ما أشار إليه من قال : يريد بالخطأ قول من خالفنا ، ولا إلى قول من قال : صواب الفقه يعني قولنا ; لأن عبد العزيز لا يوافقنا في المسألة ويرى على من حلق رأسه الوضوء وهو قول غيره أيضا والجمهور من أئمة الفقه على خلافه انتهى . وقال ابن الحاجب الظاهر أنه أراد الصواب فتفتح الحاء .

                                                                                                                            قال المصنف في التوضيح : بل الظاهر ما قاله سحنون وصوبه عياض أن مراده الخطأ فتسكن الحاء ; لأنه إذا كان مذهبه الإعادة فلا يصوب غير مذهبه .

                                                                                                                            ( قلت ) تقدم أنه يصح تصويب مذهبه على كلا الضبطين ; لأنه إن كان بالفتح فهو إشارة إلى الفعل وإن كان بالسكون فهو إشارة إلى جواب مالك غير أن السكون يترجح بقول القاضي عياض رويناه والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) ظاهر قوله في التنبيهات : " يعيد الوضوء " أن وضوءه انتقض . قال ابن ناجي ومثله نقل ابن يونس عنه بلفظ انتقض وضوءه كنزع الخف ونقله اللخمي عنه واختاره أنه يمسح رأسه لا أنه انتقض وضوءه بنفس الإزالة .

                                                                                                                            ( قلت ) فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال وكذا يحكي ابن عرفة في المسألة ثلاثة أقوال فقال : ولو حلقه ففي إعادة مسحه ثالثها يبتدئ الوضوء ، وعن الأول منها وهو إعادة مسحه فقط لنقل اللخمي عن عبد العزيز بن أبي سلمة واختيار اللخمي ، والثاني وهو عدم إعادة مسحه للمذهب والثالث وهو إعادة الوضوء لنقل عياض عن عبد العزيز ونقل ابن يونس عنه أيضا أنه انتقض وضوءه كنزع الخف وظاهر كلام ابن عرفة وابن ناجي أن الوضوء يبطل في القول الثالث ، ولو أعاد غسل موضع الأظفار ومسح الرأس بالقرب وهو بعيد إلا على قول من قال : إن الوضوء يبطل بنزع الخف وأن [ ص: 216 ] غسل ما تحته بالقرب وهو ضعيف ولم أر من قال : إن عبد العزيز يقول بذلك ولعل مراد ابن يونس وعياض بما نقلاه عنه أنه ينتقض وضوءه مع الطول والله تعالى أعلم . واختيار اللخمي الذي أشار إليه ابن عرفة هو قوله بعد مسألة من قطعت يده أو بضعة منه الآتية ، وكذلك من كانت له وفرة فحلقها قبل أن يصلي فإنه يعيد المسح انتهى . والمذهب أنه لا إعادة عليه ، ووجه المذهب أن الفرض قد سقط بمسح الرأس فلا يعود بزوال شيء منه كما إذا مسح وجهه في التيمم أو غسله في الوضوء ثم قطع أنفه ولأن الصحابة ومن بعدهم كانوا يحلقون بمنى ثم ينزلون إلى طواف الإفاضة ، ولم ينقل عنهم أن أحدا منهم أعاد مسح رأسه إذا حلقه لطهارة الوضوء ; ولأنه لا يعيده لطهارة الجنابة وهي كانت أولى ; لأن منابت الشعر لم تغسل وهي من البشرة المأمور بغسلها . فإن قيل : فما الفرق على المذهب بين هذه المسألة وبين مسألة نزع الخف وسقوط الجبيرة ؟ والجواب أن مسح الشعر أصل في الوضوء كما تقدم وكذلك غسل الأظفار ، بخلاف مسح الخف والجبيرة فإنه بدل فسقط اعتباره عند ظهور الأصل والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) ظاهر كلام صاحب الطراز أن من حلق رأسه أو قلم ظفره بعد غسل الجنابة لم يعد غسل ذلك اتفاقا فإنه ذكر ذلك في معرض الاحتجاج به على المخالف وإنما يصح الاحتجاج بما هو متفق عليه .

                                                                                                                            ( الثاني ) عبد العزيز بن أبي مسلمة من أصحاب مالك قال ابن فرحون : وليس هو كما قال ابن عبد السلام ممن هو خارج المذهب والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ص ( وفي لحيته قولان )

                                                                                                                            ش : يعني أن من حلق لحيته بعد وضوئه ففي غسل محلها قولان قال في التوضيح : قال ابن القصار ولا يغسل محلها وقال الشارقي : يغسله انتهى . وعزا ابن ناجي في شرح المدونة عند الكلام على هذه المسألة الثاني لابن بطال وعزاه في الكلام على الجبيرة لابن الطلاع قال : وبه فتوى الشيوخ قياسا على الخفين والفرق بينهما وبين الرأس أن شعره أصلي بخلاف شعرها واقتصر ابن فرحون على الأول وقال الجزولي في شرح الرسالة في الكلام على قص الشارب : إنه المشهور ، ونصه ومن حلق شاربه بعد ما توضأ هل يعيد غسله ؟ قولان : المشهور لا وكذلك اللحية والرأس والأظفار باب واحد وذكر القولين في موضع آخر من غير ترجيح ( قلت ) والظاهر الأول

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية